الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«أوديلفو ولدت» أستاذ «الموديرنيزم» فى النحت الإيطالي

«أوديلفو ولدت» أستاذ «الموديرنيزم» فى النحت الإيطالي






عندما سُئل قطب الأدب الإيطالى دينو بوتزاتى ما إذا كان متأثرا بفنان تشكيلى معاصر أجاب (إذا أردت أن تختبر المشاعر الإنسانية على وجه الحجر فعليك أن تطيل النظر إلى أعمال «أوديلفو ولدت» ففيها يكمن عمق الألم والحسرة والسخرية.. أنا شخصيا أفعل ذلك) .
ربما لا يعرف الكثيرون شيئا عن «أوديلفو ولدت» هذا النحات الإيطالى الذى يطلق عليه (الأستاذ) والذى يشار إليه على أنه من مؤسسى فن النحت الحديث سواء عمليا أو أكاديميا ولا نعرف على وجه التحديد سبب التجاهل والذى ربما كان مدفوعا بأسباب سياسية أو ميول شخصية لكن الأكيد أن ولدت تم تجاهله عمدا ربما بسبب قربه من الزعيم الفاشى بينيتو موسولينى وبسبب تلك البورتريهات النحتية الذى صنعها له ولدت وربما أيضا بسبب أن «أوديلفو ولدت» كان يؤسس لطفرة نحتية أخذ منها الكثيرون لكنهم لم يريدوا أن ينسبوا الفضل لولدت وهذا ما دفع الناقدة الإيطالية الشهيرة إلينا بونتيدجيا أن تطلق على كتابها الخاص بالسيرة الذاتية لأدودلفو ولدت (الأستاذ المنسي).
وفى عرضنا لملامح مدرسة ولدت فى النحت علينا أن نرتكز على عدة نقاط أولها أن «أوديلفو ولدت» من رواد المدرسة الحديثة فى النحت – المودرنيزم – بلا شك إن لم يكن من مؤسسيها فلقد فجر ولدت ثورة على المقاييس المعروفة دون أن يخل بفكرة المقاييس نفسها على اعتبار أنها فى الأساس منظومة للتناسق فيبدو لنا الجسد أو العضو المنحوت يعبر عن تناغم مصدره الطبيعة على الرغم من تلك الحداثة التى بدأها ولدت فإننا نجد أن ولدت كان يرتكز دائما على جزء من واقعية الطبيعة كمصدر لأعماله.
النقطة الثانية هى أن ولدت وعلى الرغم من أنه كان يتبع المدرسة الانفصالية من الناحية النظرية والتى قررت أن تبعد الفن عن التقعير الأكاديمى ونظرياته وتحلق به فى آفاق أكثر رحابة وعلى الرغم من أن ولدت كان يتبع هذه المدرسة إلا أنه يدين أكثر للمدرسة الرمزية وما يعرف بالتشخيص لكننا نعتبر أن التشخيص مهارة وتقنية أكثر منها فلسفة لأن معظم الفنون التشكيلية فى كل العصور كانت تحاول التشخيص الذى هو وجه آخر للمحاكاة الأكثر تعميما.
لكننا بعد أن أكدنا أن ولدت هو ذلك الفنان ابن الموديرنيزم إلا أنه ذو خلفيات قديمة بل غابرة فهى تعود لما قبل عصر النهضة هذا لأن أودلفو ولدت كانت أعماله تتميز بمسحة قوطية لا نستطيع إنكارها فى معظم أعماله ولا يكتفى ولدت بهذه المسحة فى أعضاء الجسد فقط بل إنها تتبدى بوضوح فى الوجه من حيث إن معظم وجوه ولدت تعبر عن الدهشة أو الحزن أو الصرامة وربما أحيانا نلمح الفزع فى بعض تقاسيم الوجه وتتجلى نزعته القوطية بوضوح فى تمثال العذراء الشهير والذى ينضح بالأسى المغرق فى الأسلوب القوطى سواء فى تقاسيم الوجه أو فى النسب الأيقونية التى ميزت العصر القوطى والعصر الوسيط.
لكننا لا نستطيع أن ننكر عليه استخدامه للفكرة النحتية الرومانية فى بعض الأعمال ولو بشكل جزئى سواء من ناحية الوضعة – أى حركة واتجاه التمثال – أو فى التكوين وبعض المقاييس والدليل على أن ولدت أفتتن بالنموذج الرومانى تلك النسخة الشهيرة التى صنعها لتمثال (المحارب الغالى المحتضر) وهى نسخة طبق الأصل المحفوظ فى متحف أنقرة على أن من لا يعرف العمل الأصلى قد يعتقد بكل سهولة أنه من إبداع ولدت الخالص لأنه يأخذ نفس خطوط أعمال أودلفو ولدت خاصة تلك الوضعة والملامح الأكثر درامية من أى عمل روماني.
أما بالنسبة للتشخيص فلا يوجد من يضارع «ولدت» فى هذا المجال وهذا هو السبب الذى دفع العديد من المشاهير مثل موسولينى للاستعانة بـ»ولدت» فى صنع بورتريهات شخصية لهم.
ولد «أوديلفو ولدت» فى ميلانو عام 1868 لأسرة فقيرة من أصول سويسرية تعيش فى ميلانو وبسبب الحاجة خرج أوديلفو للعمل فى سن التاسعة وعمل مساعد حلاق ثم صائغا وفى سن الثانية عشرة بدأ التدريب والعمل فى محرف جوسيبى جراندى والذى علمه حرفة نحت الرخام و برع فيها ولدت حتى أنه فى سن الثامنة عشرة كان يشار إليه بالبنان فى تلك الحرفة ثم عمل فى هذا الوقت مع الفنان الشهير «فيدريكو فيللا» حيث صنع منه فيدريكو أشهر فنان يصنع الرخام فى إقليم لومبارديا كله مما حدى بـ»ولدت» أن يتخذ الخطوة الأكثر أهمية فى حياته وهى ذهابه لدراسة الفن فى معهد بيريرا فى ميلانو وفى عام 1893 قدم أول معارضه الذى احتوى بورتريها لزوجته وهذا البورتريه الرائع حاز أعجاب كل الحاضرين مما دفع متحف الفن الحديث فى روما لاقتناء هذه القطعة ومن هذا الوقت أقام ولدت معارض كثيرة فى ميلانو وروما وميونخ وموناكو وبعد أن فاز عام 1914 بالجائزة الأولى فى معرض فاونتون شو أخذت شهرته تزيد أكثر وأكثر فكانت له تصميمات عديدة وأعمال عديدة أشهرها سان فرانشيسكو الأيسيزى وقناع الحزن، وبعد أن أسس مدرسته الشهيرة داخل معهد بيريرا للفنون الجميلة فى ميلانو توفى عام 1931.