الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مـاكــرون يـعــظ!

مـاكــرون يـعــظ!






فى ذكرى ٢٨ يناير يقف ماكرون المأزوم وسط القاهرة يعظ، يبدو أن السترات الصفراء ولد من رحمها السياسات الصفراء!
ماكرون الذى اضطر للرضوخ لمطالب النشطاء والمتظاهرين فى بلاده جاء إلى القاهرة فى زيارة بنكهة الهروب السياسى التكتيكى من وطأة الأزمة التى لا تزال تحيط بقصر حكمه فى الإليزيه، جاء متصورا أنه يستطيع بناء زعامة يعود بها منتصرًا إلى بلده.. ظن - وكل الظن إثم- أن زعامته المزعومة يمكن أن تبنى على حساب السيادة الوطنية والكرامة المصرية.
الرجل يبدو أنه خدعه الزمن، لو أنه استطاع فك شفرة الرموز المنقوشة فى معابد أبوسمبل القادم منها لاستطاع أن يدرك أنه فى حضرة أقدم دولة فى التاريخ، بل قبل التاريخ ذاته.. كان أدرك كيف له أن يتعامل مع دولة بحكم مصر قيادة وشعبا وحضارة.
وسط المؤتمر الصحفى كنت حاضرا.. تمعنت النظر فى الرئيس الشاب لأجده فجأة يتقدم فى العمر بعدما أحاطت به فى الخلفية غبار البارود الفرنسى العالق بوجدان الليبيين.
المتحدث عن حقوق الإنسان ربما تناسى أن القاذفات الفرنسية بعيدة المدى حولت شعباً بأكمله إلى مخلفات حرب، وما زال الصراع الأوروبى دائرا بلا رحمة على إعادة تدويرها.
هنا نحن أمام عدة أسئلة تفرض نفسها من وحى تحليل كلام الرجل فى مناسبتين الفرق بينهما ليلة وضحاها.
- هل وقف ماكرون على خشبة المسرح فى القاهرة ليقدم عرضا لجمهوره فى باريس؟!
- ألم يدرك أن جمهورا مصريا عريضا بقوة ١٠٠ مليون يحول دون وصول رسائل عرضه المسرحى إلا بعد ترجمتها بلهجة النضال المصرى من أجل الحق فى الحياة أولا؟
- عن أى قائمة يتحدث عنها وقدمها للرئيس؟ فليفصح لنا عن الأسماء ومن اختارهم وعلى أى أساس؟ وما هى أهميتهم بالنسبة لفرنسا؟ وما هو المقابل؟ وهل سبق لهم أن قدموا خدمات لفرنسا بعيدا عن القنوات الرسمية للدولة أم من خلال لقاء سرى بمنزل السفير أم من الباب الخلفى للسفارة عقب مواعيد العمل الرسمية للموظفين؟!
- هل مصدر هذه القائمة هو الناشط حسام بهجت؟ أم أنه الناشط محمد لطفى زوج المفرج عنها أمل فتحى؟
الإجابة عند السفير أو عند مستشاره الصحفى أوريليان شوفيية.
■ ■ ■
فلنتحدث عن الحالة النفسية السياسية التى جاء بها ماكرون إلى القاهرة، لقد جاء محاصرا بما يلى:
- ضغوط السترات الصفراء التى لا تزال مستمرة وسط تراجع رئاسى فرنسى.
- ضغوط أمريكية بسبب دعواته لإنشاء جيش أوروبى.
- رغبة فى ممارسة الضغط على القاهرة لاستغلال نفوذها فى ليبيا من أجل موطئ قدم فرنسى فى صراع مع إيطاليا.
- رغبة أخرى فى ممارسة ضغوط على القاهرة من أجل إيجاد طريق فرنسى لقلب إفريقيا، استغلالا لرئاسة القاهرة للاتحاد الإفريقى.
ماكرون جاء معتقدًا أن القاهرة يمكن أن تكون إحدى أدواته لإنجاز حالة من الزعامة يعود بها إلى بلاده لعلها تخفف من وطأة الحصار السياسى المفروض عليه.. ماكرون الهارب إلى القاهرة ربما يكون قد استمد تقاريره غير الدقيقة من داخل سفارته فى الجيزة، لو أن بعثته الدبلوماسية بذلت مزيدًا من الجهد لربما كانت قد توصلت إلى حقيقة القاهرة العريقة التى لم تعقد صفقة واحدة بخاتم الابتزاز السياسى.
الرئيس الفرنسى جاء إلى القاهرة مدعوما بخارجيته واستخباراته التى لا تزال عاجزة عن فك شفرات دولة ٣٠ يونيو.
■ ■ ■
مصر التى تحارب الإرهاب نيابة عن الإنسانية بل ونيابة عن فرنسا التى شاركت فى حمله عسكرية ضد ليبيا ومنحت غطاء عسكريا لتمكين الفوضى فى ليبيا وراحت تشاهد قتل القذافى خارج حدود القانون والإنسانية.. الآن تعظ!!.
وحدها مصر تحارب الإرهاب فى ليبيا وتحاصر الزحف المليونى للهجرة غير الشرعية فى اتجاهه إلى أوروبا.. إلى قلب باريس.. واليوم ماكرون يعظ فى القاهرة!!.
 مواعظ الرئيس الفرنسى ليس لها جمهور فى القاهرة، جمهورها هناك فى الاتحاد الأوروبى فى قاعات حلف الناتو.
باسم الشهداء، بمداد دمائهم الزكية كتبت مصر عهدا جديدا لحقوق الإنسان بعدما وثقته فى أروقة الأمم المتحدة تحت عنوان « محاربة الإٍرهاب حق من حقوق الإنسان»، واليوم يضيف السيسى حقا جديدا من حقوق الإنسان العالمية «الحفاظ على استقرار الدولة الوطنية حق من حقوق الإنسان» بل يعلو كل الحقوق.
إذا كان ماكرون يتحدث عن حقوق الإنسان فأولى به أن يتحدث عن الإنسان نفسه.. عن حياته التى فقدها بدم بارد فى ليبيا وسوريا ومن قبل فى العراق.
حقوق الإنسان التى كتبت بمداد دماء الشهداء فى مصر لا يمكن أن تكتب بمداد البارود أبداً.
■ ■ ■
ماكرون فى القاهرة بينما مدرعات جيشه منتشرة فى شوارع باريس فى مواجهة المتظاهرين العزل مطالبا بأن يبلغنا لماذا اختار القاهرة لتكون شريكا ثقافيا لباريس طوال عام ٢٠١٩ إلا لقناعته بأن من يملك الثقافة هو فى الأساس يحترم الإنسان ويوثق حقوقه فى قوالب فكرية وثقافية قادرة على أن تعيش آلاف السنين.
ماكرون سيعود إلى بلاده ليجد نفسه فى مواجهة دعوة للإضراب العام على مدار أيّام ٤و٥و٦ فبراير المقبل اعتراضا على تردى الأوضاع فى فرنسا وليس مصر!
■ ■ ■
الرئيس الفرنسى يتحدث فى اجتماعاته مع الجار الألمانى عن التهديدات التى تواجه الهوية الأوروبية، وما يستوجبه ذلك من إحياء للقومية الأوروبية، الآن جاء يعظ فى القاهرة مستنكرا جهودها فى الحفاظ على هويتها وعلى دولتها الوطنية.. هوية مصر هى الحافظة الحقيقية لهوية الحضارة الإنسانية.
إذا كان ماكرون ينكر على مصر جهودها ودمائها المبذولة لحماية الإنسانية فليخبرنا لماذا أمدت بلاده مصر بحاملات الطائرات «الميسترال» الرابضة فى المياه الإقليمية حارسه للأمن القومى الإقليمى والعالمى؟!
لماذا أمدت بلاده مصر بقاذفات الرافال بعيدة المدى التى تواجه فلول داعش والقاعدة فى ليبيا قبل أن تكون باريس قبلة لإرهابهم؟!
■ ■ ■
فى القاهرة لا عظة ولا موعظة ولا واعظ إلا دماء الشهداء التى بذلت دفاعًا عن الإنسانية بأسرها.
هنا فى القاهرة يقف رئيسها محمولا على قاعدة دولة ٣٠ يونيو الصلبة، فإذا كان علماء فرنسا استطاعوا من قبل فك بعض رموز الحضارة المصرية المنقوشة على جدران المعابد، فالآن عليهم محاولة فك رموز وشفرات ٣٠ يونيو المحفورة فى قلب وعقل ووجدان كل مصرى.
فى القاهرة حتما سيجد ماكرون ضالته المنشودة بالحوار وبصوت العقل والعطاء المتبادل، هذا ما تعرفه دولة ٣٠ يونيو التى لا تزال مصرة على ممارسة السياسة بمفردات الشرف والكبرياء والعطاء.
فى دولة ٣٠ يونيو يمكنك أن تحصل بالحوار وبلغة الندية الرشيدة على بضاعتك التى لن يتلفها أهواء الابتزاز السياسى.