الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الاستقطاب أسلوب حياة

الاستقطاب أسلوب حياة






الاستقطاب حالة وجود قُطبين متضادين كما فى المغناطيس وهو حشد طاقات الأفراد وتعبئتها بطريقة منظمة لدعم وتنفيذ برنامج سياسى أو دينى محدد «رؤية واحدة»، لذا فالاستقطاب لا يسمح بالتعدد ولا بالتنوع ولا يقبل باختلاف وجهات النظر لأنه ينطلق من طهرانية الذات وقداستها وخطأ الغير وانحرافه.
فوسط حالة الاستقطاب تصعب الإشارة للعقل والمنطق وتسود الازدواجية، كل طرف ينحاز لما يناسبه، ويمنع كل طرف من تناول الأمر بزوايا مختلفة للنظر للأمور بعقلانية.
وتسعى كل منظومة سياسية فاعلة للتعاطى مع محيطها الاجتماعى عبر طريقين مزدوجين، الأول يتمثل فى تقديم خطاب يلامس واقع الجماهير ويسعى لتلبية حاجاتهم، والثانى يقوم على استقطاب الجماهير لتفعيل الخطاب، والعمل على تحويله إلى برامج وتنفيذها على أرض الواقع.
فى الفترة الأخيرة انتشرت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى تدعو بعض الفتيات لـ«خلع» الحجاب، باعتقاد أن هناك بعض الأدلة التى تشير إلى أنه ليس فريضة دينية، وإنما هو مجرد مظهر خارجى للمرأة، والأهم من ذلك هو القيمة الحقيقة للشخص دون الالتزام بمظهر معين.
فى نفس التوقيت دشن عدد من الفتيات صفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» لدعم ارتداء الحجاب، وتدور فكرة الصفحات حول الفتيات اللاتى ارتدوا الحجاب منذ فترة ويروون تجربتهن وما مررن به للوصول إلى هذا القرار.
وأيضا ظهرت خلال الأيام القلية الماضية حملات من نوع جديد، فى شكل اجتماعي، اعتراضًا على المغالاة فى تكاليف الزواج من قبل أهل الفتيات، أطلقها الشباب تحت لافتة: «خليها تعنس»، حتى أن الفتيات ردت بحملة مناهضة، تحت مُسمى: «خليك جنب أمك».
وبين هذا وذاك، وفى ظل هذه النار المشتعلة، جاءت حملات الشباب والفتيات، على منصات التواصل الاجتماعي، لتُعيد طرح قضية؛ ثقافة الزواج فى مصر، التى تبدأ بـ«النيش» وغالبًا ما تنتهى بـ«المحاكم»، وكشفت عن عورتنا.
إطلاق حملات التغريد الممنهجة دعماً لهدف معين كتضليل معلومات أو تلميع فكر أو تيار معين على حساب آخر يجب ان تكون تحت المراقبة.
حتى فى الرياضة توجد بقوة حالة استقطاب حادة ناشئة من المشاحنات بين جماهير الأهلى والزمالك» تؤدى الى العنف فى الملاعب وتم استغلال مواقع التواصل لتلك المشاحنات.
وأيضا لم تسلم المقدسات الدينية من حالة الاستقطاب الواسعة فقد أثار الفيلم الوثائقى «فى سبع سنين»، الذى أنتجته القناة أخيرا وتم بثه يوم الأحد الماضى جدلاً واسعاً بعد أن كشف عن ظاهرتى جنوح الشباب إلى الإلحاد أو الإرهاب والعنف، وغرقت شبكات التواصل الاجتماعى فى مصر والعالم العربى بالحديث عن الفيلم ومناقشة مضمونه، الفيلم سبب حالة من الاستقطاب الحاد فى الشارع المصرى.
 قناة الجزيرة هدفها الأول ضرب ثوابت الدين الإسلامي، والعمل ضد الدين والقرآن والشريعة والسنة النبوية الشريفة «هدفها خراب الدول العربية.
استخدام مواقع التواصل الاجتماعى أسهم فى زيادة الانقسام والاستقطاب وتراجع حيادية الآراء فيما يتعلق بالأوضاع السياسية، وذلك أولاً لتحولها إلى أداة تنافس بيد الأطراف والأحزاب السياسية المتناقضة لحشد التأثير ودعم الحضور والاستقطاب السياسى، من خلال صياغة الأحداث وطرح الوقائع والآراء عبرها بأسلوب معين يصب فى خدمة مصالحها أو أيديولوجياتها. ثانياً، لقدرتها على خلق «غرف صدى» بانتقائها وعرضها الدائم لمحتوى أخبار ذات طابع مشابه لنوعية ما يتابعه المتصفح.
ونحن الآن ندرك أن الاستقطاب الاجتماعى أصبح المصدر الرئيسى لعدم استقرارنا.
وإننا فى حاجة اليوم إلى كثير من الجهد وكثير من العمل وإلى عدد من كبير من الأفكار والوسائل والرؤى التى يمكن بواسطتها إعادة صياغة تشكيل وبناء عقول أبناء هذه الأمة ليكون كل فرد من أبنائها قادرًا على المشاركة برأيه وفكره فى كل قضية صغرت أم كبرت، قادرا على المشاركة الفعالة فى إدارة دفة المجتمع ومساهما فى بناء حضارة ورسم مستقبل أمته، فإن النهضة الحقيقية لا تتحقق بعقول عليلية، والنصر لا يتحقق بعقول عقيمة.