الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«ع الرصيف»

«ع الرصيف»






الرصيف.. عالم صاخب  بالناس كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء،يزدحم بالأشياء، الأضواء،الألوان،الضجيج ليل نهار،ودائما وأبدا لن تجد رصيفا حقيقيا للسير عليه،فقط مسخ مشوه، مسخ اعتدناه بلامبرر.
الرصيف،حياة كاملة،دنيا مليئة بالحكايات،الرصيف جزء من حياتنا، من حركتنا الدائمة فى ذهابنا إلى العمل، أو قضاء احتياجاتنا فى التسوق والتنزه، أو مجرد التسكع،أوممارسة رياضة المشى.
الرصيف حق،مثل الحق فى السكن والعلاج والتعليم،الرصيف لوحة تجريدية رائعة مليئة بالتفاصيل تتداخل فيها الألوان والوجوه فتضيع الملامح !0
الرصيف ثقافة نفتقدها بشدة،غياب ثقافة الرصيف،نعانى منها جميعا، ونتجاهلها جميع أيضا.
مؤخرا، أكدت دار الإفتاء أنه لا يجوز شرعًا الإشغالات التى تُقتَطَعُ من شوارع الناس ومرافقهم وأماكن تنقلاتهم وما يترفقون به، لأنها اعتداء على حق الطريق، وجريمة فى حق عامتهم ومجموعهم.
وأوضحت الدار فى فتواها أن الله تعالى امتنَّ على الإنسان بأن جعل له الأرضَ سهلةً منبسطةً واسعةَ المسالك والطرقات، وسخَّر له الانتفاع بها مع صلابة خِلْقَتها، وأمره بالمشى فى أطرافها والسعى فى جوانبها؛ تحصيلًا لمصالحه وأمور معاشه.
فتوى مهمة جدا،لمواجهة أسواق الرصيف، والمحلات التى احتلت الشارع،وبالمناسبة هذه التجارة وفقا للعديد من الإحصائيات تدور فى فلك 60 مليار جنيه سنويا.!
الرصيف عنوان لهيبة الدولة‏‏...‏ فى الدول المتقدمة لا يرتفع الرصيف عن الشارع إلا بضعة سنتيمترات‏، ولكن يظل مساحة مقدسة للمشاة‏، لا تقربها سيارة ولا دراجة‏، ولا بائع سريح‏.
لدينا فى مصر بقايا أرصفة‏ محتلة  بسيارات تنتظر ساعات النهار، بمحلات الملابس والخبز والأدوات الكتابية .
اعتزال الرصيف والسير وسط الطريق ومنافسة السيارات فى عبور الإشارات المرورية‏..‏ أصبح سمة للشارع المصري‏..‏ والسبب إشغالات الرصيف التى لاتجد حلا!0
الجميع وقع فريسة لنظرية التعلم الاجتماعى،وقوامها أن الإنسان يكرر ما اعتاد عليه من أفعال‏،‏ اعتدنا السير كالبهلوانات فى الشوارع، السير على أطراف أصابعنا كراقصى الباليه نلف وندور حول السيارات،فالرصيف ليس له وجود فى ذهننا، ولو وجدناه نفاجأ بمن يحتله ويمنعنا من المرور .
كلنا نحتاج إلى  تغيير نمط سلوكنا فى الكثير من أمور حياتنا، وطبعا ثقافة استخدام الرصيف، تحتاج إلى جهود متواصلة من الدولة والمواطن ليعود الرصيف مكانا لمرور الناس وليس سوقا أو جراجا .
مشكلة يجب أن تحل وفق منظومة مرورية متكاملة وبالتعليم والوعى والإدراك وهو أعلى مراتب العقل، لأن من يفعل الخطأ أو يخالف القانون يفعل ذلك وهو مدرك تماما ويبرر سلوكه بأنه مضطر لاحتلال الرصيف فهو مصدر رزقه، أو الوقوف بسيارته فى الممنوع،بدعوى أنه لا يوجد أمامه بديل آخر .
عدم وجود أرصفة فى معظم أحياء القاهرة،دليل واضح على انهيار  منظومة التذوق الجمالى وقوامه النظام والانضباط فقد أصبح التسيب واللامبالاة من أهم الآفات التى أصابت الشخصية المصرية‏.
 ومن المؤسف أن عدم الانضباط فى كل شيء أصبح يمثل سمة عامة فى حياتنا، فما مبرر مثلا قطع أشجار عتيقة على كورنيش جاردن سيتى،ما المبرر لقطع وهدم حديقة جميلة فى المعادى، وتخصيص أرضها لبناء «مول تجارى» .
ما المبرر غير أننا أدمنا القبح، استطعمنا التلوث البصرى، اعتدنا على العشوائية،فالكثافة السكانية فى القاهرة بلغت‏52‏ ألف نسمة فى الكيلو متر المربع و هذه النسبة من أعلى النسب فى العالم، ووجود أشجار وحدائق هى المنقذ لنا جميعا.
سلوكيات تبدو بسيطة لكنها دليل واضح على ما وصلت إليه منظومة القيم والأخلاق،دليل على ما وصلنا إليه  من أنانية فى التصرفات، والتمركز حول الذات واللامبالاة وتعريض حياتنا للخطر،بهدم الحدائق وقطع الأشجار، والرضا باحتلال الأرصفة .
الغالبية منا أصبحت لا تجد مايدعوها إلى الالتزام بالقواعد أو الامتثال لما يأمر به الضمير العام...الغالبية منا  باتت تقبل  الخطأ وتبرره  لأنه يتم بصورة جماعية تمنحه قوة دفع ذاتية!
قوة دفع تجعل منه عرفا مقيتا،لايحترم القانون، ويرى فى مخالفته بطولة زائفة، ولايتردد فى السخرية بمن يلتزم، نشكو جميعا من الزحام، ولاتطرف لنا عين ونحن نترك سياراتنا فى منتصف الشارع.
بالمناسبة كل الدراسات والأبحاث تقول  إن  ‏90%‏ من سلوكيات العنصر البشرى السلبية هى السبب الرئيسى فى تعطيل حركة المرور... وبالمناسبة أيضا، علينا  جميعا أن نتمسك  بحقنا فى الرصيف .