
صبحي مجاهد
التفكير فريضة
الحديث عن أهمية التجديد فى فهم الدين نرى هناك من يعتبرون التفكير فى أمور الدين مخالفة شرعية، وكأنه يريد ان تنغلق العقول على ظاهر النصوص دون تدبر أو فهم أو تطبيق عملى لها بما يوافق الواقع، ومثل هؤلاء لا يعترفون بالتجديد أو الاجتهاد.. بل يقفون عند ظاهر نص قوله تعالى: «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» وكأنه يفهم من الآية أن الأخذ أو الترك يكون بلا وعى أو فهم.
إن أوامر الدين أو نواهيه إنما هى لمقاصد شرعية بالغة الأهمية، فلم يأت أمر أو نهى إلا وراءه مقصد وعلة، فإذا انتفت العلة انتفى الحكم كما يقول علماؤنا المجتهدون، وهذه قاعدة واحدة لو طبقت تطبيقا سليما لاكتشفنا أن كثيرًا مما جاء فى كتب التراث إنما جاء موافقًا لزمنه، دون أن ينسحب على الأزمان الأخرى, لأن اجتهادات الفقهاء بعضها يرتبط بزمانهم وهذا يتطلب إعمال العقل بفهم شرعى وواقعى، وكما يقول العلماء :» إن الله أباح اجتهاد العقل فى استخراج الأحكام من النصوص من وجوب وندب وكراهة وحرمة وإباحة وغيرها من الأحكام الفقهية، كذلك فالعقل يعمل فى المناطق التى لم يرد فيها نص وذلك ما يجعل الشريعة حيوية.
إن التفكير يعد أحد أهم عوامل الفهم والتقدم، والناظر يجد أنه رغم ما صنعه الإسلام وحضارته القديمة فى حضارة الغرب الحالية وتأسيسه للتقدم العلمى إلا أننا اليوم وصلنا إلى حالة من التخلف وهو اتجاه عكسى، السبب فيه اقتصار التفكير العلمى على قلة من المسلمين وعدم وصوله إلى العامة.
إن غلق العقول وإبعادها عن الاجتهاد «التفكير» مناقض للإسلام الذى يأمر بالتجدد مع الأمور الحياتية، وهو ما أدى إلى اختزال الإسلام فى الشعائر التعبدية والاهتمام بالمظاهر الشكلية البعيدة عن جوهر الدين, بل إن عدم الاجتهاد يؤدى بنا إلى تقليد الغير دون تفكير, وهو أمر مذموم دينيًا، ولذلك فإن الإسلام لا يعترف بالخضوع لأى سلطة تمنع الناس من حرية التفكير حتى إذا كانت سلطة رجال الدين.
وينبغى على علماء الأمة أن يعينوا شبابها على كيفية فهم الدين بفهم عقلى وواقعى لن ذلك يعد أكثر تأثيرًا ورسوخًا فى النفوس، بحيث لا يكون الدين مجرد حركات تعبدية يؤديها الإنسان دون فهم مقاصدها، فى حين تظل تعاملاته لا علاقة لها بأصل الدين.
ويجب على علماء الفهم الصحيح للدين أن يتصدوا لهؤلاء الذين يعتبرون طرح التساؤلات لفهم الدين جدلًا محرمًا لأن السؤال يصل بصاحبه فى النهاية إلى الإجابة التى يتناقش حولها, فإذا ما اقتنع بها رسخ فى قلبه الإيمان الحقيقى، كما عليهم أن يربوا الأجيال على حرية التفكير فى الدين بصورة سليمة من خلال طرح إجابات على أكثر التساؤلات التى تدور فى عقول النشء, وأعتقد أن هذه هى أهم خطوات تجديد الخطاب الدينى الذى يتيح لكل شخص أن يسأل عما يريد فهمه عن اقتناع.