الأحد 13 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الفن شاهد لنا لا شاهد علينا

الفن شاهد لنا لا شاهد علينا






شاهدت وأنا أتصفح وسائل التواصل الاجتماعى تصوراً تخيلياً لشكل الحياة فى مصر الفرعونية وكم شعرت بالسعادة والفخر لكونى مصريًا أنتمى لهذه الحضارة العظيمة التى امتدت لآلاف السنين تشع علوماً وثقافة وفكراً أبهر العالم ولم يخفت إشعاعها حتى وقتنا الحالى، فكلما مر عليها الزمان ازدادت بهاءً وشموخاً، فقد كان التحدى والرقى شاهدا على مجدها .. فحينما تتنقل بين جنبات أطلال هذه الحضارة الخالدة تشعر بأن قوى تسرى فى بدنك تدفعك لأن تهيل التراب الذى رناه الدهر عليك لتكمل هذه المسيرة الخالدة بالمساهمة فى بناء حضارتها المعاصرة وإعادة مجدها، فالحضارة المصرية بحق درة مصر للعالم، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه ما السبيل للمحافظة على ثروتنا الحضارية؟! الواقع أن الدولة لا تألو جهداً للمحافظة على هذه الثروة العريقة، ولكن ما أحزننا جميعاً تلك الأعمال المستنسخة منها فى الأماكن العامة، والتى لا ترقى إلى ما وصلت إليه الأعمال الفنية التاريخية من رقى ودقة شهد لها العالم، مما أثار حفائظنا جميعاً.. وأثار تساؤلاً بداخلنا كيف يمكن تجنب مثل هذه الأعمال؟ الواقع أن قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، خاصة فيما يتعلق بالباب الثانى منه والذى ينظم مسألة أعمال التنسيق الحضارى والقانون رقم 91 لسنة 2018 بشأن تعديل بعض أحكام القانون 117 لسنة 1983 الخاص بحماية الآثار، وقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، لم يتصدوا لمسألة تشويه الأعمال الفنية المعاصرة خاصة تلك التى تتناول رموزاً تاريخية؛ والتى بتنا نستيقظ على واقعها الأليم من حين إلى أخر، حتى أن قرار مجلس الوزراء الصادر فى 2016 بشأن حظر تجميل الميادين العامة إلا بعد الرجوع لوزارة الثقافة لم يكن رادعاً بما يكفى لوقف مسلسل التعدى على الأعمال الفنية فى الأماكن العامة والتى كان آخرها وليس آخراً تمثال الفلاحة المصرية الذى يقع بمنطقة العمرانية أمام قاعة الصوت والضوء بشارع الهرم، للمثال الراحل فتحى محمود إمام، والذى تم ترميمه على أيدى غير متخصصين فى الفن التشكيلى بصورة أثارت سخرية وسخط الناس، وكان قبل هذه الواقعة العديد من الوقائع المشابهة ففى سنة 2015 أقيم فى مدينة سمالوط بمحافظة المنيا تمثال عند بوابات المدينة يمثل نسخة لتمثال نفرتيتى الذى نُحت سنة 1345 ق. م أثار هو الآخر سخط وسخرية جميع من شاهدوه فى داخل مصر وخارجها، وتسأل البعض كيف تم إبداع التماثيل والنقوش المنحوتة فى العصور القديمة، فى حين أن أحفاد هذه الحضارة العظيمة يعجزون عن إقامة نسخة غير مبتكرة بخامات مطوعة وتكنولوجيا متقدمة، والسؤال ذاته وجه حين تم تجديد تمثال الخديوى إسماعيل بأحد ميادين مدينة الإسماعيلية حين تبددت معالمه، وهذا يدعونا إلى التساؤل كيف نوقف مسلسل التعدى على لأعمال الفنية فى الأماكن العامة؟ الحقيقة المسلم بها التى نحن لسنا بغافلين عنها أن الأعمال الفنية القبيحة بوجه عام فى الأماكن العامة تعد مصدر اعتداء على تراثنا خاصة إذا كانت تتعلق بشخصيات تاريخية، لذا قد يُرى أنه من المهم وتشكيل هيئة من وزارة الثقافة تابعة لجهاز التنسيق الحضارى تتولى إعادة النظر فى الأعمال الفنية التى تم تشويها وإعادتها إلى سابق عهدها أو استبدلها بأعمال مميزة تليق بالحضارة المصرية المعاصرة، وإعداد لوحة بأسماء الفنانين المميزين وهم معرفون ولا خلاف عليهم من أبناء مصر؛ ليقوموا بالأعمال الفنية تباعاً على أن يعاد النظر فى هذه اللائحة كل عام لتكون مبعث فخر لمن ينضم إليها، وترفع يد المحليات عن الأعمال الفنية فى الميادين والشوارع ولا يكون لها إلا فقط التقدم باقتراح لإقامة عمل فنى والتكفل بنفقاته، على أن يعاد النظر فى النصوص التشريعية لإنزال عقوبة رادعة على من تسول له نفسه العبث بالإعمال الفنية بالشوارع والميادين العامة.