الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الطـريق إلى واشنطـن

الطـريق إلى واشنطـن






حوار استراتيجى «هادئ » وسط ظرف إقليمى «صاخب»


على خشبة المسرح تحت قبة القاعة الرئيسية لجامعة القاهرة وقف الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما يرسم خارطة الطريق الأمريكى نحو القاهرة.
أوباما راح يصوغ عقد إذعان أمريكى ويفرضه على مصر والمنطقة، بنوده مجحفة تمنح ما لا تملك لمن لا يستحق.
وقف أوباما معتقدًا فى قدرة فوقية أمريكية على تحديد مصير مصر ومسارات مستقبلها.
فى الخلفية من الرئيس أوباما ظهر طيف من خيال لمشهد إسقاط تمثال الرئيس العراقى صدام حسين بأيدى قوات المارينز تحوم حولها مجموعات من الشعب العراقى ظنت أن الحرية يمكن أن تأتى على ظهر الدبابات أو داخل طرود التمويل.
بنود العقد الآثم حملها سماسرة السياسة الأمريكية من المتمولين فى الداخل، كادت أن تعصف بالدولة المصرية.
العقد المجحف لم يتمكن من توثيق ذاته على صفحات التاريخ المصرى تبددت بنوده وتآكلت صحيفته ولن يبقى منها إلا مصر.
•••
على أرض ٣٠ يونيو التقى المتعاقدون الجدد، ظهر عبدالفتاح السيسى معلنًا أن أوباما أدار ظهره للمصريين، لكن مصر تولى وجهها نحو علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة على أسس من الاحترام والندية الحميدة وتبادل المنفعة والمصالح المشتركة.
بقوة ٣٠ يونيو وضع السيسى أولى خطوات الدولة المصرية فى الطريق إلى واشنطن، ذهب الرجل بعناية يضع بنود العقد الدبلوماسى الجديد المستمدة دستوريتها من الإرادة الشعبية المصرية، حيث الجميع مدعو للاكتتاب فى أسهم البنيان الدبلوماسى الجديد، ليس هناك إذعان إلا للإرادات الشعبية.
مصر التى وقفت تدافع عن وجودها وعن هويتها الوطنية تمد يدها لصياغة علاقة جديدة مع واشنطن تكتب بنودها بمداد السلام والشموخ المصري.
•••
على قواعد المجد قرر السيسى تأسيس البنيان الثنائى الجديد للعلاقات المصرية الأمريكية مرتكزًا على قاعدة إرادة الشعب المصرى وبعمق تسامح الدولة المصرية غير المصحوب بالنسيان حسم أمر الماضى منشغلًا بحاضر المصريين وإصرارهم على امتلاك مستقبلهم.
الرجل حدد مسارات الحركة.. بدأها بعملية شرح إقليمية ودولية لحقيقة ما جرى فى ٣٠ يونيو، الحركة التزمت بثوابت المنطق وحق تقرير المصير، واحترام إرادة الشعب المصري.
عملية الشرح كان هدفها وضع دليل إرشادى لثورة ٣٠ يونيو من أجل تحقيق الفهم وبالتالى أسلوب التعاطى السياسى معها.. لقد كانت بنود دليل الثورة المصرية متمثلة فيما يلى:
- الجيش لم يصنع وضعًا ثوريًا بل التزم بحماية الإرادة الشعبية.
- الانقلاب الحقيقى هو انقلاب الجيش على الإرادة الشعبية وهو ما لم يحدث.
- المعركة ليست قانونية ما بين الشرعية وعدم الشرعية، بل معركة وجودية بين الدولة واللا دولة.
- التزام الجيش بالحياد لم يكن خيارًا متاحًا وإلا كانت الدولة قد انهارت بفعل الحرب الأهلية.
 - تخلى الجيش عن الشعب كان سيؤدى لانهيار السلام الاجتماعي.
منذ البداية قرر السيسى الانفتاح على جميع الأطراف والتزام الصبر العميق مؤمنًا بعدالة القضية المصرية.
منذ البداية حدد السيسى إطار العلاقة الجديدة ما بعد ٣٠ يونيو.. وضع القواعد التالية:
- إدارة العلاقات يحب أن تكون مرتكزة على إدراك أمريكى مؤسسى بحجم وقيمة مصر.
- الندية الرشيدة هى أساس المعاملة.
- قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الدولية والإقليمية هو أمر واقع.
- مصر دولة فاعلة فى إقليمها وليست أداة لتنفيذ سياسات القوى العظمى، بل دولة محورية تستطيع أن تحقق مصالحها فى إطار من الصالح العام الدولي.
- مصر لديها مسئوليات أدبية وتاريخية تجاه أمن الوطن العربى ولا تستطيع أنت تنفصل بمصالحها عن مسئولياتها.
- مصر ليست حقلًا لتجارب دول عظمى كما أنها لا تُمارس مغامرات غير محسوبة.
أحاطت بالعلاقات المصرية الأمريكية وقت الإدارة السابقة حالة من التحفز والتربص.تشككت القاعدة الشعبية المصرية فى النوايا الأمريكية، بسبب استمرار الدعم الأمريكى لتنظيم الإخوان باعتباره نظامًا سياسيًا، بينما مقاومة المصريين له كانت باعتباره تنظيما إرهابيا تخلى بارادته المعلنه عن أدوات السياسة الرسمية ولجأ لأدواته التنظيمية التى يفرضها تنظيم دولى خارج الحدود منح نفسه حق إدارة الشأن المصري. الاختلاف فى الفهم أدى لفجوة فى السلوك والشعور.
فى هذه الأجواء ذهب السيسى إلى واشنطن الزيارة الأولى قبل عامين يفكك الأزمة بدقة وسط حالة حصار تحظى بغطاء أمريكي، لكن السيسى تعامل معه كوحدات منفصلة لا يجمعها مشروع حقيقى سوى الفهم المغلوط.
عملية الإذابة والتذويب تمت بدقة فوجد الحصار المفروض نفسه محاصرًا بعدالة المنطق المصري.
بمرور الوقت كان السيسى قد نجح بقوة المنطق والإيمان بقضية وطنه وشرعيتها من فتح ثغرات فى بنيان القطيعة الصلب والمتصلب، ومن خلال الثغرات اتجهت مصر نحو خارطة الطريق إلى الولايات المتحدة من خلال ملامح محددة كانت تتمثل فيما يلى:
- مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم.
- مصر منفتحة على الجميع ولديها حججها وليست فى موضع اتهام.
- مصر تدافع عن كيان دولتها الوطنية.
- مصر قادرة على تنويع مصادر تسليحها.
- مصر قادرة على تحمل تبعات حجمها وأهميتها فى الإقليم وعلى الصعيد الدولي.
الانتخابات الأمريكية جاءت نتائجها بالمرشح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.. من قبل كان السيسى قد استشرف الأحداث وبادر بالاتصال المتوازن مع جميع الأطراف المحتملة، وما أن نجح ترامب كان الرئيس المصرى أول المتصلين مقررًا أن يكون دستور العلاقات الجديدة عقدًا من طرفين وليس إملاء من جانب واحد بل التزامات مقابل حقوق، ومن أقبل على التعاقد يقينًا قادر على الوفاء بالتزاماته وتحصيل استحقاقاته.
فى الذهنية الرئاسية للسيسى كان العقد له إطار دبلوماسى محدد:
- مصر مكون إقليمى حاسم قادر على صياغة سياساته فى إطار مقتضيات السلم والأمن الدوليين.
- مصر صاحبة احتكارات ومصداقية حصرية فى الإقليم.
-مصر تقدر حجم القوى العظمى.
- مصر قيمة حقيقية ونموذج حى للحرب على الإرهاب.
- مصر قوة سلام للإقليم.
- مصر تتحرك وفقا لمحددات الحفاظ على الدولة الوطنية.
- مصر تدرك جيدًا كيفية احترام التنوع واختلاف الثقافة.
العقد المصرى الأمريكى لا يمكن أن يكون مناقضًا لقواعد الدبلوماسية الدستورية.
خمسة لقاءات سابقة على لقاء أمس جمعت السيسى بترامب تأسس خلالها البنيان الدبلوماسى الثانى للعلاقات المصرية.
خلال اللقاءات كان السيسى حريصا على أن تتحول العلاقات الثنائية لمؤسسة تحكمها ثوابت الأمن القومى للبلدين والمصالح المشتركة واحترام إرادات الشعوب، وليست حالة خاضعة لتقلبات الأيديولوجيات المختلفة أو الأمزجة الرؤساء المتعاقبين سواء فى واشنطن أو القاهرة.
خماسية السيسى - ترامب أسست لقواعد الاتصال الدولى بين البلدين وفقا لإدراك كل طرف لقيمة وحجم ذاته وقدرته على الوفاء بالتزامات العقد الدولى الجديد.
•••
الآن يباشر السيسى خطواته الثابتة فى الطريق إلى واشنطن فى زيارة ثانية وقمة سادسة بينه وبين ترامب تفرض خطوات محسوبة فى بيئة مضطربة يحيط بها ما يلى:
- أزمة سورية طالما أعلنت مصر عن استراتيجية خماسية نحوها (وحدة الأراضى السورية - وحدة الجيش السورى - القضاء على الميليشيات - حق الشعب السورى فى تحقيق مصيره - اعادة إعمار سوريا).
- خطر عالمى بسبب عشوائية الرؤية لانتقال المقاتلين.
- تحرك الجيش الليبى الوطنى ضد ميليشيا الإرهاب الممول قطريًا وتركيًا.
- قضية فلسطينية لا تزال معلقة.
- التزام مصرى بأمن الخليج العربي.
- التزام مصرى باستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب.
قضايا شائكة لكن الموقف المصرى بإدارة السيسى يملك مواقف واضحة منها تلتزم بالمعايير الدولية للسلم والأمن وحقوق الإنسان.
متجها إلى واشنطن كانت النية الرئاسية المصرية قد انعقدت على انفتاح مصرى مؤسسى على الدولة الأمريكية، انفتاح نابع من ثقة مصرية فى قدرتها على شرح حقيقة الموقف المصري، الثقة تقول أن مصر قادرة على المناظرة الرشيدة مع الأطراف التالية:
- أطياف الإدارة الأمريكية المختلفة.
- مؤسسة الكونجرس.
-البنتاجون.
- مراكز الأبحاث.
الأجندة المصرية معدة بعناية ويحكمها ثوابت المصالح المشتركة وخصوصية الثقافات واحترام الاختلافات.
الزيارة السادسة جاءت تزامنا مع الذكرى الأربعين لمعاهدة السلام، لكن السلام المصرى ليس ذكرى أو ذكريات بل استراتيجية ثابتة ممتدة عبر السنين القادمة وليست صرحًا من خيال آيل للسقوط أو الإسقاط.
عبد الفتاح السيسى هو المستثمر الأول للسلام فى العالم، عبدالفتاح السيسى هو الراعى الحقيقى للسلام المستدام، عبدالفتاح السيسى فكرة مصرية إنسانية تمد يدها للجميع من أجل سلام للجميع.