السبت 19 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صناعة الفرحة

صناعة الفرحة






لكل شعب فى العالم ثقافته وشخصيته، وتلعب الظروف المحيطة والبيئة الحاكمة دورا فى تكوين شخصية الشعب التى غالبا ما تبدو فى صورة تعكس واقعة بشكل كامل، وتبرز خصائص تتصل مباشرة بهذا الواقع.
لكن فيما يبدو فإن الشعب المصرى على عكس هذه القاعدة بنسبة كبيرة، فهو شعب قادر على أن يعكس صورة مغايرة تماما لما يعيشه، وهو قادر على أن يمتص كل أنواع الضغوطات المحيطة به، ويبدو فى صورة مختلفة لها.
نحن نعيش ظروفا اقتصادية صعبة، وإصلاحا ماليا وسياسيا له بعض الآثار الجانبية على حياة الناس وبالتالى على معنوياتهم وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، لكن ذلك لم ينعكس بصورة مباشرة، على الحياة اليومية للمصريين.
البسمة صفة ملازمة لشخصية المصرى، والضحكة عند اللقاء وفى الوداع أساس، والنكتة  تتوقف، وهى نكتة إنسانية أو اجتماعية أو سياسية، لكنها كلها ساخرة مُضحكة، تدفع الضحك إلى وجوه العابسين مهما كانت حالتهم.
ولا يهدر المصريون فرصة الفرحة والاستمتاع رغم الظروف المحيطة، فيغزون الحدائق العامة، ويستمتعون بنهر النيل والمراكب السيارة به طوال أيام الأعياد، وتجدهم يعيشون حالة بهجة وسرور واستمتاع عميق.
أعتقد أن أى مراقب أو محلل سيتعب كثيرا إذا عمل على تحليل هذا الشعب، ورصد صفاته وثقافته وشخصيته، بل فى ظنى أن المصريين قادرون على البروز بشخصية مختلفة تماما عن باقى شعوب العالم، فهم أيضا يستمتعون ويتمتعون، لكن فى الأغلب لا يعيشون ظروفا كتلك التى نعيشها ليس فقط الآن وإنما من قبل كذلك.
أتذكر فى فترة حكم المرشد والتى أزالها الشعب من تاريخه، كان الناس ينتفضون ضد  الجماعة الإرهابية بمعدل يومى فى مناطق ومحافظات عدة، ولم يمنعهم ذلك وقتها من الاستمتاع بالمناسبات والأعياد المختلفة، وكان جليا أنه استمتاع بنفس عمق وقوة المواجهة مع الإرهابية وأنصارها الإرهابيين.
بالأمس خرج المصريون إلى الحدائق العامة والمتنزهات، وازدحم بهم سطح النيل، واختالت المراكب بأشرعتها وتمايلت على أنغام الموسيقى الصاخبة وهى تحمل العائلات والأصدقاء من الجنسين يرقصون هم أيضا ويستمتعون بالغناء، احتفالا بشم النسيم وسط بهجة متميزة للمصريين.
الحقيقة أن المصريين قادرون على تحمل كل المصاعب، ولعل نظرية الأسفنجة التى أطلقها عليهم المحللون والمؤرخون الأجانب هى الأفضل، فقد وفدت علينا كل الثقافات والشخصيات من مختلف الحضارات، لكن الثقافة والشخصية المصرية تمكنت من امتصاص كل هذه الثقافات وعادت لتلفظها حماية للشخصية الوطنية المصرية من مواصفات تلك الثقافات الأجنبية.
ليست عنصرية ولا تحيزا وطنيا مقيتا، لكن المؤكد أن المصريين حالة مختلفة، وشخصية متميزة، قادرة على الصمود، وعلى النهوض بعد السقوط، ومواصلة الطريق، وهى وسط كل هذا قادرة على رسم الابتسامة على الوجوه، والاستمتاع رغم الأزمات.
إنها مواصفات شعب قادر وسط  كل الظروف على الاستمتاع وصناعة الفرحة.