
رشدي أباظة
أول دولة مدنية فى التاريخ!
لايزال الحديث موصولًا عن مدنية مصر التاريخية.
رغم أن الشرق الأوسط محاط بعدد من نماذج الدول الدينية مثل إيران وإسرائيل وتركيا ودول عربية إلا أن مصر لم تحافظ فقط على مدنيتها من محاولات تصدير الثورات الدينية إليها فى العقود الأخيرة لكنها حمت «المدنية» فى المنطقة كلها بتقديم نموذجها الإنسانى المدنى الفريد رغم المحاولات المضنية من التيار الدينى لزحزحة المجتمع المصرى عن مدنيته المفطور عليها طوال تاريخه.
مصر تعيش حالة تمازج داخلى متفرد.
لم تعرف الطائفية ولا القبلية والعرقية ولا الجهوية.
مؤسساتها مدنية الطبع والتطبع.
فى الأديان تؤمن بالله الواحد.
وفى الوطن تؤمن بالقانون والأعراف الاجتماعية التى تؤمن بها الدولة.
لا توجد لديها حوادث طائفية أو عرقية اللهم إلا من قليل نادر بفعل التيار الدينى الذى يجاهد لتغيير هوية مصر من أوائل القرن الماضى بظهوره المباغت.
الأمثلة فى ذلك عديدة ومتعددة.
الجيش المصرى مثلًا هو عمود الدولة المصرية منذ خلق الله مصر. لم يعرف طائفية أو عصبية أو قبلية أو طبقية. بل نسيج وطنى تذوب فيه كل الطوائف والقبائل والأعراق. هو المعادل الفعلى لمعنى المدنية الحديثة.
الجيش كمؤسسة أصيلة وعريقة داخل الدولة المصرية عنوان لمدنية مصر.
فى المقابل يقول الواقع إن من يدعون المدنية تورطوا فى حالة استعلاء باستخدام المدنية. راحوا يقولون: المدنيون نحن. المنفتحون نحن . النخبويون نحن.
ونحن أصلح لعمليات الإدارة. ولم يضبط أحد منهم متلبسًا بعملية إدارية ناجحة أو حتى فاشلة!
تخيل أن تكون «المدنية» وسيلة للتحقير أو الاستعلاء على الآخرين أو الدعوة للإقصاء.. تخيل؟
مرت مصر بمراحل كثيرة لمحاولة تغيير هويتها التاريخية بالاستبدال تارة والمحاصرة تارة وتأثيم عاداتها وتقاليدها تارات أخرى.
الحقيقة والواقع والتاريخ والسنين والأيام والحوادث تخبرنا بأن مصر دومًا ما تهزم من يحاربها عسكريًا كان أو فكريًا أو دينيًا.
والحقيقة أيضا تقول إن الله جل جلاله مع مصر.. فمن يا ترى يكون عليها؟