الأحد 20 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أهلًا رمضان

أهلًا رمضان






كنا ونحن صغار يحمل كل واحد فى يديه الفانوس «الصاج» ذا الشمعة المشتعلة، ونسير فى الشارع حول بيوتنا ونحن ننشد، رمضان جانا أهلًا رمضان، تعبيرًا عن فرحتنا وسعادتنا وابتهاجًا بقدوم الشهر الكريم.
لا أعتقد أن أى من أبناء جيلى أو من عائلاتنا، توقع أن يتحول ترحيبنا بالشهر الكريم من الغناء «أهلًا رمضان»  إلى إقامة السرادقات والمعارض والمهرجانات، تحت لافتة عنوانها الرئيسى «أهلًا رمضان».
لقد تحولنا بالشهر الكريم من الاحتفالات والبهجة بطقوسه ومعانيه الجميلة، إلى احتفالات بالمأكولات والأطعمة والمشروبات، وبمهرجانات لتخفيض أسعار السلع والأغذية، وكأننا نُشجع الناس للإقبال على الأكل والشرب باعتبار ذلك واحدًا من أهم مواصفات الشهر الكريم، ومن أهم عاداته.
ربما يقول البعض أن مهرجانات «أهلًا رمضان» هدفها مواجهة التجار الجشعين ورفع الأسعار غير المبرر، وهو معنى صحيح فى جانب من الأمر، لكنه أيضًا غير مُقنع فى حد ذاته، لأن جشع التجار سياسة ممتدة على مدار العام، وتحتاج إلى مواجهات دائمة ومتواصلة ومتصاعدة وأكثر صرامة مما نراه.
وقد يعتقد البعض أن شهر رمضان ذو مواصفات خاصة، وهذا أيضًا صحيح وحقيقى، وعلى رأى الشحرورة الرائعة الراحلة صباح فى أغنيتها الجميلة «الرجل ده حيجننى» حين قالت «رمضان قال احمدوه والحمد مش بالشكل ده».
سلو بلدنا بيقول أننا فى رمضان نستهلك من الطعام والشراب أضعاف ما نستهلكه فى أيامنا العادية، وهى مقولة صحيحة فى جوانب منها، لأننا فى المقابل شعب كريم يتبرع فيه القادرون بما يجود به الله عليهم من خيرات لغير القادرين، ليعم الخير والسعادة بين غير القادرين من أبناء الوطن.
لكن المؤكد أيضًا فى المقابل أننا فعليا نستهلك من الطعام والشراب فى رمضان ما يفوق احتياجاتنا الصحية، وأصبح الشهر الكريم وسط ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية الجديدة عبئًا على ميزانية الأسرة ومداخليها الثابتة والمتغيرة.
وفى ظنى أن الحكومة رغم حُسن النوايا، والرغبة فى إدخال السعادة والبهجة على نفوس غير القادرين، وسياستها الرامية إلى توفير احتياجات الفئات الأقل قدرة على تلبية احتياجاتهم اليومية تعمل على إقامة ونشر هذه المعارض فى مختلف أنحاء البلاد، لكنها أيضًا – الحكومة – تساعد دون أن تدرى فى توفير البيئة المطلوبة لاستمرار ثقافة شهر الطعام بدلًا من شهر الصوم، وتشجيع الناس على إنفاق مداخيلهم على الأكل والشرب ورفع معدلات الإنفاق بدلا من تكريس وتعميق ثقافة الادخار.
حتى الأحزاب تتوقف فى رمضان عن السياسة، وتمارس سياسة الطعام، من خلال نوعين من الموائد، واحدة فاخرة للسياسيين والقادة والرموز فى الفنادق العامة، والثانية فى موائد الرحمن لعابرى السبيل أو المحتاجين وكأنها تعتذر عن غيابها على مدار العام وامتناعها عن لقاء الناس.
نحن فى حاجة إلى ثقافة جديدة، ثقافة مختلفة، تتوافق مع أوضاعنا الحياتية الجديدة، تحافظ على تراثنا وتاريخنا، وفى الوقت ذاته تتعامل مع المتغير الجديد.
وقتها سنعود لنغنى «أهلًا رمضان» فرحا وسعادة وليس جريا وراء الأكل والشرب.