
حازم منير
أردوغان تاجر السياسة
الرئيس التركى أردوغان لم يجد من وسيلة للفرار من آثار الأزمة الاقتصادية سوى تصعيد أزمة إقليمية جديدة مع قبرص ودول شرق المتوسط تحت عنوان التنقيب عن البترول فى المياه الإقليمية للدولة القبرصية، وهويعلم أنه لا يحق له ذلك وفقًا لنصوص القانون الدولى واتفاقية البحار.
الحاصل أن الأخ أردوغان تلقى عدة ضربات متتالية فى الآونة الأخيرة، بداية من «ماتقدرش» التى أطلقها محذرًا أمريكا فى ملف القس الأمريكى المحتجز فى أنقرة والتى انتهت بالإفراج عنه، مرورًا بالأزمة الاقتصادية وتراجع العملة التركية وانخفاض معدلات النمو وارتفاع نسب البطالة، انتهاء بالهزيمة المنكرة التى لحقت به فى انتخابات البلديات وخسارته للمدن الكبرى رغم كل محاولات التدخل والمخالفات القانونية التى ارتكبها.
والشاهد أن أردوغان كما التاجر التركى الذى يبحث فى دفاتره القديمة لما يفلس، فلم يجد أمامه سوى ملف قديم نسبيا، اسمه التنقيب عن الغاز فى مياه المتوسط، وتحديدًا فى المنطقة القبرصية، فقرر فتح الملف لإثارة ضجة دولية يستقطب بها اهتمام الرأى العام فى بلاده وتجييشه فى اتجاه مخالف لمسار الأزمات التى يعانيها.
السياسات التركية فى ظل أردوغان حققت نجاحات سريعة، لكنها قصيرة الأمد، فتحولت على المدى الطويل إلى خسائر وفادحة كذلك، لأنها سياسات اعتمدت على الخداع سواء داخليًا أوإقليميًا ودوليًا، فلما انكشفت حقيقتها انهارت كل تحالفاته وتراجعت الثقة فيه فغادره حلفاؤه وهرع المستثمرون للخارج .
أردوغان حلم بالخلافة الإسلامية واستعادة الإرث العثمانى، فهاجم مصر وحرض ضدها ودفع بالإرهابيين إلى أرضها، ثم خطط للإساءة إلى المملكة السعودية متخيلا أنه سيستطيع إسقاطها ووراثة زعامتها كدولة مقدسات إسلامية، ليصبح خليفة للمسلمين، وبينما هويتحدث عن زعامة إسلامية مزعومة تجاهل الاحتلال الإيرانى للجزر الإماراتية .
التخبطات التركية لم تقف عند حدود جيرانه العرب المسلمين، إنما امتدت إلى الجار الأوروبى لتصيب فى مقتل حلمه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، بعد أن رفض قادة الاتحاد طلبه بسبب انتهاكاته المتتالية والعميقة لحقوق الإنسان ومعاداته للحريات الصحفية، وإجراءاته المُنكرة على الناس حقها فى العمل باستبعاد معارضيه من وظائفهم، والتعدى على السلطة القضائية واستبعاد آلاف القضاة من مناصبهم .
هكذا أسرع أردوغان إلى الهاوية، وأسقطته الخطط المخادعة التى سعى إلى تنفيذها، وفضحته شعاراته الكاذبة التى تخفى خلفها، من أجل تحقيق حلم استعمارى قديم يحاول إعادته ليبسط نفوذه على الدول العربية، ويعيد حقبة الاحتلال العثمانى للمنطقة .
سقطة أردوغان القوية جاءت من قيادته للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، وتحويل أرض بلاده إلى ملجأ للإرهابيين من الإخوان وبقية التنظيمات، التى لم تجد خيرًا من تركيا لترسل مصابيها ومرضاها لتلقى العلاج، ولم يجد هوخيرًا من هذه الجماعات الإرهابية لتمويلها والدفع بها لإثارة القلاقل فى البلاد العربية كما فى ليبيا أوفى العراق أوفى سوريا لإيجاد منفذ قدم لحصانه الاستعمارى .
هكذا وجد زعيم الإرهابيين نفسه فى نهاية الأمر معزولًا من جماهيره التى انتفضت عليه فأسقطته رغم كل التدخلات والتلاعبات التى رصدتها فرق المراقبة للانتخابات، وهولم يجد أمامه سوى محاولة أخيرة بالتعدى على نتائج الانتخابات وتغييرها ببجاحة شديدة، وحتى يتمكن من ذلك خرج بأسطوله البحرى فى مواجهة هو يعلم أنه لن يستطيع إكمالها، إنما المهم عنده هو جذب اهتمامات الأتراك ناحية موجة خارجية للتستر على أزمة داخلية .