السبت 14 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«دماغ واحدة»

«دماغ واحدة»






مسلم مسيحى إيد واحدة، دماغ واحدة، لا فرق، حتى فى الأفكار السلفية، فيه سلفية مسيحية، طبعا فيه، السلفية المسيحية موجودة، وفيه متطرفين مسيحيين، مثل المتطرفين المسلمين.
فى توقيت متزامن تقريبا، غزت صفحات مواقع التواصل الإجتماعى حملتان فى منتهى الخطورة، ومنتهى الإسفاف أيضا.
الحملة الأولى كانت هاشتاج «استر بنتك خلى الناس تصوم « طريقة مستفزة ووضيعة تفكرنا بحكاية الشيكولاتة المكشوفة والمغلفة، وأيهما تفضل، وبعد أن تختار المصونة المكنونة، يذهب شيخك الذى نصحك ويختار المكشوفة!
الحملة الثانية استرى نفسك فى الكنيسة خلى الناس تعرف تصلى، نفس الأزمة .. النظرة الدونية للمرأة، والذئبية للرجال، فكل رجل ذئب متحرش حتى لو كان صائما وفى الطريق إلى المسجد أو الكنيسة، فرجاء إبعاد بناتكم عن الشارع وعن طريقهم، لأنهم مجرد غوغاء، مفترسين، لا يرون فى المرأة سوى جسد قابل للالتهام، وهم بلا إرادة، بلا ضمير، بلا أخلاق، بلا دين، لا يؤمنون حقا فيغضون أبصارهم!
التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى على الحملتين حقيقى مخيفة، جدل عقيم ومعارك كلامية تصل حد التهديد بالعنف.
أطراف تلقى مزيدا من البنزين والزيت على النيران المشتعلة فى القلوب زاعمة أن كل طرف لفق وفبرك حملة للآخر للانتقام منه.
تلويح بعنف بدنى وعنف لفظى متكرر يشعرك بهشاشة إيمان الطرفين، بهشاشة أفكارهم وسطحيتها، خوفهم حتى من النقاش الوصول بهدوء للحقائق.
بغض النظر عن حقيقة الحملتين، وصحة ما أثير حولهما، لكن المتابع للمعركة الحامية التى نشبت بين رواد مواقع التواصل الإجتماعى تؤكد أن هناك خطرا حقيقيا، انقساما، وتفككا، كبتا يبحث عن أى صورة ليخرج نارا موقدة، جبهة داخلية هشة تحتاج الكثير من الانتباه.
«سلفية» حقيقية تملأ العقول والقلوب، سلفية تتسم بالقدرة التلقائية على الانقلاب على الذات، لا تجد حرجاً إطلاقاً فى أن تمارس التوحش والعنف ضد المختلف معها، حتى إنْ كان من أبناء دينها أو معتقدها.
سلفية تعانى من قصور واضح فى فهم الآخر، حتى لو كان هذا الآخر من نفس عقيدتك، فلا يهم، هو آخر طالما لا يوافقك الرأى أو يسير فى نفس دربك، حتى لو كان هذا الدرب مليئا بالأشواك ونهايته كارثة محققة، عدوك الذى يجب أن تنتبه منه وتحذره وتلغيه ليس من حياتك فقط ولكن من الوجود كله!
«سلفية» تخرج من سياقها الحقيقى للكلمة، فبدلا من معناها الحقيقى وهو الدين الحق المتسامح القائم على أفكار السلف، باتت معنى ومفهوما خاصا بالتيارات المتشددة والمتطرفة التى تكفر من يخالفها الرأى حتى من أصحاب الدين الواحد.
سلفية تقوم على الأنانية الشديدة، لا تُخاطب إلا من تربوا على السمع والطاعة ووقف عمل العقل والتسليم بكل ما يقال على طريقة فيلم الإرهابى الذى كتبه العبقرى وحيد حامد «لا تسال ولا تجادل يا أخ على».
أنانية  تقوم على  الصراع، فكل من ليس معى هو ضدى وعدوى، وما كان موضوع صراع فإنه بالضرورة معركة، وما كان معركة لا بد فيها من منتصر ومهزوم، والحقيقة فى الحالتين المنتصر والمهزوم خاسر فالوطن هو من يدفع الثمن.
سلفية يتخلى عنها الآن من روجوا لها ودعموها وضخوا المليارات فى العديد من الدول لنشرها.
يكفى أن تتابع اعتذار الداعية السعودى الدكتور عائض القرنى، للمجتمع السعودى عن الأخطاء أو التشددات التى خالفت الكتاب والسنة وسماحة الإسلام وضيقت على الناس، وتتابع ردود الأفعال والصدمة من ذلك الاعتذار لتعلم إلى أى منحدر كنا نحن سائرون، وإلى أى مدى تم تغييب عقول  شباب عمدا ليحملوا القنابل ويتبنوا مناهج داعش والقاعدة أملا فى الفوز بما وعدهم به شيوخ مثل القرنى وغيره لعبوا حتى بالدين نفسه من أجل أهداف أخرى!