الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثقافة القانونية فى الأعمال الفنية

الثقافة القانونية فى الأعمال الفنية






تشكل الأعمال الفنية - على اختلاف أنواعها، وتعدد مجالاتها - أحد أهم آليات نشر الوعى العام لمعظم طبقات وفئات وأعمار المواطنين، فهى تدلف إلى كل بيت، ومن ثم تبدو الأهمية الكبرى لهذه الآلية لنشر الثقافة القانونية لجمهور المتلقى لتلك الأعمال الفنية، وذلك  لتوعية الجماهير بالثغرات القانونية التى ينفذ من خلالها المجرمون لتحقيق أغراضهم الإجرامية، وكيفية التصدى لهذه الثغرات من خلال مناقشات هادفة وبناءة، وكذلك إمكانية عرض الأعمال الفنية التى تتناول إشكاليات قانونية على المتخصصين حتى يحقق الهدف منه فى تصويب السلوك المجتمعى ترسيخًا لدولة القانون واحترام موجباتها، وإعلاء قيمها.
ويحدثنا تاريخ السينما المصرية عن عدد وافر من الأفلام التى تعرضت لنماذج مهمة من تلك الثقافة القانونية، لعل من أبرزها فيلم (أريد حلا) والذى يعالج قضية قضايا الطلاق ومتاعبها للمرأة والذى كان سببًا مباشرًا لتعديل قوانين الأسرة حينها (1975)، وكذلك فيلم (ضد الحكومة) والذى تناول قضايا مافيا التعويضات، وفيلم (المرأة والساطور) والذى ناقش جريمة قتل عمد كان دافعها جريمة نصب وشروع فى جريمة اغتصاب، ولا ننسى فيلم (الجلسة سرية) وفيه ترتكب سيدة جريمة تزوير بادعاء نسب ابنها لرجل يثبت أنه عقيم، وأخيرًا يأتى فيلمان يحملان ذات الاسم (المجرم) الأول إنتاج 1954 ويحكى قصة خطف طفلة من أهلها الأثرياء، والآخر إنتاج 1978 ويدور حول جريمة قتل غرقًا فى النيل وجرائم خيانة الأمانة والشروع فى السرقة.
 وتحوز المسلسلات كذلك أهمية كبرى فى تشكيل هذا الوعى الجمعى – إن لم تتفوق أحيانًا على الأفلام – ومن بين أهم تلك المسلسلات (مع سبق الإصرار) مع ما يحمله طوال حلقاته من مشكلات قانونية مجتمعية من خلال دراما واقعية هادفة، وقد كان لى أن استضفتُ أبطاله ومؤلفه ومخرجه فى ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة فور انتهاء عرضه فى رمضان 2012، وفيها تطرقت المناقشات إلى كثير من هواجس الثقافة القانونية المفتقدة فى مجتمعاتنا العربية وما تلعبه من أدوار مهمة فى مواجهة المعلومات المغلوطة، ومنها كذلك مسلسل (العراف) وهو عبارة عن عرض بانورامى لكثير من جرائم النصب والاحتيال والتزوير بما ينبه المشاهد إلى جسامتها وخطورتها على الفرد والمجتمع والدولة كذلك، وأذكر فى هذا المقام قصة (ريا وسكينة) والتى تعرضت لها الأعمال الفنية كمسلسل وفيلم ومسرحية، وهى قضية حقيقية حول جرائم قتل مقترن بسرقة وقعت فى بدايات القرن العشرين فى مدينة الإسكندرية، وقد عرضتُ لتلك القضية فى الجزء الأول من كتابى « من روائع الأدب القضائى « الصادر عن مكتبة الأسرة بهيئة الكتاب عام 2001، والأمثلة على ذلك تستعصى على الحصر والإحصاء.
ويبقى التساؤل المهم فى هذا الشأن، وهو كيفية تحقيق تلك الثقافة القانونية فى الأعمال الفنية لأهدافها المنشودة؟ والإجابة – فى تقديرى – يمكن أن تخاطب ثلاث مراحل : أولاها : أثناء إعداد النص الذى يتناوله العمل الفنى، وثانيها : أثناء تنفيذ العمل الفنى، وآخر تلك المراحل  : بعد عرض الأعمال الفنية ومتابعة ردود الفعل لدى الجمهور، بحيث تتكامل المراحل الثلاث تلك _ فى نشر ثقافة قانونية ووعى حقيقى، بالأهداف السامية للأعمال الفنية، التى تضىء جوانب مهمة من المعاملات الحياتية، وتدق ناقوس الخطر للعثرات التى يواجهها الفرد بحسن نية وعفوية وفطرة.
وليست تلك الثقافة القانونية من قبيل الترف بل هى مكون رئيسى للأعمال الفنية، فبدونها لا يمكن أن يكتمل بنيان العمل، وما يهمنى التنبيه إليه – بل الإلحاح عليه – أن مفردات الولاء والوطنية والانتماء، تدور وجودًا وعدمًا، وقوة وضعفًا، بمدى جودة الأعمال الفنية وتوثيق معلوماتها القانونية، فما من شك من التأثير المباشر لها على الفرد والمجتمع، ولعل من يشاهد الأفلام الأمريكية – مثلا – يجد أن الوطن يشكل القيمة الكبرى والوعى الأعظم لها، ومن بينها فيلم ( London has fallen  ) الذى يُعظِّم من قدرة أمريكا – كدولة – فى حماية رئيسها من الاغتيال أثناء جنازة رئيس وزراء بريطانيا.   
وبالقانون .. تحيا مصر،،