السبت 19 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مستقبل الاتحاد الأوروبى

مستقبل الاتحاد الأوروبى






أن  يعقد الاتحاد الأوروبى اجتماعا غير رسمي، فهذا أمر طبيعى ومعتاد، ولكن أن يلتئم الاجتماع بدون حضور الشريك البريطانى، فالأمر هنا غير اعتيادى، ولا يمكن تجاهله، أوالتعامل معه ببساطة ومن دون متابعة.
الحاصل أن بريطانيا تواجه واحدة من أعمق أزماتها مع أشقاء الاتحاد، فلديها تفويض شعبى بمغادرة الاتحاد، ورفض برلمانى مسنود أيضا بتأييد شعبى لتنفيذ قرار المغادرة، وموقف أوروبى واضح يرفض نكوص بريطانيا عن قرارها، ويتمسك بأن تغادر الاتحاد.
من الصعب للغاية تصور أو تخيل نهاية تلك الأزمة بالغة التعقيد، والمتشابكة كما خيوط العنكبوت، وهى أزمة تلقى بظلالها على اقتصاد المملكة، كما تثير مخاوق الكثير من رجال الأعمال الأوروبيين، خصوصا أن الخروج البريطانى سيلتزم تغيير وتعديل الكثير جدا من التشريعات فى كل بلدان القارة العجوز .
مشكلة أوروبا لا تتوقف عند حدود الموقف البريطانى، وإنما هى تمتد إلى رغبات البعض الآخر الذى يهدد بالاستقلال عن بريطانيا مثل أيرلندا إذا ما خرجت من الاتحاد، كما أن هناك شعوبا وجماعات سياسية أخرى تطالب حكوماتها بتقليد بريطانيا وإجراء استفتاء عن البقاء من عدمه فى الاتحاد الأوروبى.
الأزمات الاقتصادية تضرب فى عصب القارة الأوروبية مثل الأوضاع المنهارة فى اليونان، أو المتراجعة فى دول مثل إيطاليا، وبخروج بريطانيا يتبقى عملاقان يقودان الاتحاد هما ألمانيا وفرنسا اللتان تسعيان إلى مستقبل مختلف عما كان سائدا من قبل.
القارة البيضاء شهدت صداما غير مرئى مع الولايات المتحدة الأمريكية، حين تحدثت فرنسا وألمانيا شريكتها فى قيادة الاتحاد، عن قوة عسكرية أوروبية، وهو حديث أثار الانزعاج داخل أروقة حلف الأطلنطى، وأثار انزعاجا أكثر داخل الإرادة الأمريكية، والتى يبدو أنها انزعجت من محاولات تشكيل قوة موازية لحلف الأطلنطى، أو قوة عسكرية أوروبية تتماهى مع القوة الأمريكية، أو حتى قوة إقليمية تمارس نفوذها على أراضيها داخل القارة من دون الاستعانة بحلف الأطلنطى أو الأسطول الأمريكى وطائراته والبحرية الأمريكية الشهيرة.
الحال داخل القارة العجوز بالطبع مرتبك، ومحاولات البحث عن حلول وبدائل لأزمة الخروج البريطانى تجرى عل قدم وساق، فهى أشبه بانتزاع مسمار كبير من عصب العقل الأوروبى وقلبه، وجاءت أزمات مثل تزايد تدفق الهاربين عبر الهجرة غير الشرعية للأراضى الأوروبية، وعودة الإرهابيين إلى بلادهم، وتفجر مشكلات الجاليات الأجنبية وخصوصا المسلمين، ثم المواجهة غير العلنية مع أمريكا لتثير تساؤلات عدة عن قدرة الاتحاد الأوروبى على الخروج الآمن من أزماته.
الواضح أن الأزمات الأوروبية الداخلية تضرب فى مواضيع عدة، وتنتشر بسرعة فى جميع البلدان، وهى مشكلات كان لها تداعياتها الاجتماعية، على ظهور أفكار التعصب والعنصرية وكراهية الأجانب والعنف تجاه الآخر، والتى تتعارض جميعها مع ثقافة مفترض أن الاتحاد الأوروبى يعمل على تكريسها فى البلاد، لكنها خرجت عن النطاق بانتشار الجماعات المتطرفة.
الحاصل أن مستقبل الاتحاد الأوروبى صار رهينا لمتغيرات داخل الإقليم الأوروبى، وللضغوط الأمريكية الساعية لإقامة علاقات مع الاتحاد أشبه بعلاقات التبعية البريطانية لأمريكا، ورغم قناعتى الشخصية  بأن الخروج البريطانى بكل تداعياته لن يؤدى إلى انهيار الاتحاد الأوروبى، إلا أن تطورات الأوضاع العالمية ينبئ بأن كل شيء ممكن فى هذا العالم غير المستقر.