الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رمضان.. شهر الوعى بالقرآن

رمضان.. شهر الوعى بالقرآن






يهتم المسلمون فى شهر رمضان بقراءة القرآن الكريم، ففيه إشراقات.. أيامه بركات، ولياليه ركعات، وساعاته دعوات، وقرآن وصلوات، واعتكاف وخلوات.. إنه رمضان.. الشهر الذى يشمل الله فيه العباد بالرحمة فى أوله، وبالمغفرة فى أوسطه، وبالعتق من النار فى آخره.. ويفرح المسلمون – فى شتى بقاع الأرض - بقدوم شهر رمضان، لما فيه من تجليات، وفيوضات.. وما يمثله من فرصة سنوية لتجديد العهد بالعبادة، والوعد بالإخلاص.. ومن ثم – وباللزوم العقلى – عدم معاودة اقتراف الآثام للنفس، والبعد عما يسبب الآلام للغير.
وها.. وقد انتصف هذا الشهر الفضيل.. فقد آن الأوان لنا جميعًا أن نقدم كشف حساب لرب العباد.. عن المعنى الحقيقى الذى جعله يحتل هذه المكانة المتميزة دون شهور العام.. واختصاصه بأنه شهر القرآن.. وهل تلك العبادة هى المقصد الرئيس من تشريع أحد أهم أركان الإسلام فيه وهى فريضة الصيام والذى اختصه الله عز وجل بالجزاء عنه فى الحديث القدسى (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ)؟ أم أن مقاصد التشريع الإلهى فى صيام نهار رمضان وقيام ليله، تتجسد فى إدراك الغايات الكبرى لشهر القرآن وهى ترَسُّم معانيه، وتتبع مراميه، بما يحقق الوعى بأحكامه وقواعده التى ينصلح بها أمر البلاد والعباد؟
 المتأمل من حكمة التشريع الإسلامى فى عمومه، ومن شهر رمضان بالقرآن فى خصوصه، يمكنه أن يرصد ثلاثة محاور تدور حولها تلك الحكمة ؛ أولها : أن الإسلام دين سماوى عالمى دائم متجدد، أى أنه لم يُرسل لفئة معينة أو فى زمن محدد (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)  الأنبياء / 107، ولا يدعى أحد كائنا من كان أن ينصب نفسه متحدثًا رسميًا عنه.. ثانيها: لئن كان بداية نزول القرآن فى شهر رمضان ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) البقرة/ 185، فإن تلاوته وتدبر معانيه ممتد طول العام ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ) الإسراء/ 106.. وثالث المحاور: هى أن شهر رمضان نقطة نظام – بتعبير المؤتمرات – يحاسب فيه الإنسان نفسه، ماذا قدّم فى العام الفائت، وماذا أعد لما هو آت – إن كان فى العمر بقية، وهذه الوقفة مع النفس تصب ليس فقط فى تلاوة القرآن بحروفه وألفاظه، بل – فى اعتقادى – بمعاملات الإنسان مع الآخر، واحترامه لعقيدته وفكره ومنهجه مهما كان الخلاف والاختلاف معه.
إن جوهر الوعى بالقرآن، يجد أصوله فى جواب السيدة عائشة رضى الله عنها حينما سُئلت عن خلق الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم عن خلقه بجوابها الصادح: (كان خُلُقَه القرآن)، وفى هذه الإجابة تؤلَّف المجلدات وتدوَّن المؤلفات حول المعانى والمبانى لتلك الجملة الجامعة المانعة، لم تقل كانت عبادته، ولا كانت عقيدته، بل كان خلقه، ومن تلك الجملة العبقرية، أكرمنى الله تعالى بفكرة تأليف كتاب صدر عن مكتبة الأسرة عام 2000 – كتب تقديمه فضيلة الإمام الأكبر. شيخ الأزهر الشريف - حينها - الدكتور محمد سيد طنطاوى - عن أخلاق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، الذى أقام الله به دولة ونصح به أمة وكشف به غمة، اخترتُ له عنوان « مولد أمة «، أبرزتُ فيه كيف أن رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، استطاع أن يقيم دولة (إنسانية) أرقى من أى دولة تقوم على التناحر والعصبية والجبروت، وصار لكل فرد من الحقوق ما عليه من الواجبات (بوصفه إنسان) تجسد فى خطاب خالق الكون للبشر جميعهم فى قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات / 113، وهى آية دستورية تؤطر للوعى العام الذى ينبغى أن يسود فى وعى الإنسان بهذا الدين الحنيف ودعوته الخالدة للتعاون والتعارف والتآلف.  
وبالقانون والأخلاق.. تحيا مصر،،