
صبحي مجاهد
فعل الخيرات
يعتقد كثير من الناس أن فعل الخيرات يرتبط بشهر رمضان، لزيادة الثواب فيه، ولكن حقيقة فعل الخير وثوابها يزداد ليس فقط بوقت، وإنما بمدى قضاء فعل الخير بقضاء حوائج الناس، والعجيب أن كثيرا من الناس يوقفون فعل خيراتهم لشهر رمضان فقط ويظل المحتاجون وأصحاب الحاجات يعانون من عدم مساعداتهم طوال العام.
وربط فعل الخير بوقت يتنافى مع الحكم منه، حيث إن الله تعالى أمر بالمساعدة فى فعل الخير فى أى وقت، وعدَّ عمل الخير والمُسارعة فيه من صفات الأتقياء، حيث قال: (أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) فالمسلم المُتّقى لربّه حريص على اغتنام فرص عمل الخير فى الحياة لما يعلم من فوائدها الجمّة الكثيرة على الفرد والمجتمع.
وفعل الخير والمسارعة فيه يؤدى لنيل رضا الله عزّ وجل: حيث إنّ أهمّ فائدةٍ لعمل الخير والمعروف هى رفعها لدرجات المُؤمن وجعله قريباً من الله؛ ففاعل الخير ينال الكثير من الحسنات والأجر، وهذا ما يُقرّبه من رضا ربه وجنّته. يُكسب فاعله قلوب العباد وودّهم ومَحبّتهم.
كما أن فعل الخير فى كل الأوقات يؤدى لتماسك المجتمع ونشر المحبة فيه، فقد ورد عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قوله: (مثلُ المؤمنين فى توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسّهرِ) فالمسلم دائماً يشعرُ بمُصاب أخيه ويُسارع فى مساعدته دون سؤال، وهذا يجعل المُجتمع الإسلاميّ كبُنيانٍ مرصوص.
ولقد قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنَّ للَّهِ تبارَكَ وتعالى خزائنَ من الخيرِ مَفاتيحُها الرِّجالُ، فطوبى لمن جَعلَهُ اللَّهُ مِفتاحًا للخيرِ مغلاقًا للشَّرِّ، ووَيلٌ لمن جعلَهُ مِغلاقًا للخيرِ مِفتاحًا للشَّرِّ)... وكما قال العلماء : إن المسابقةُ إلى الخيرات خُلُقٌ عظيمٌ، ومسلَكٌ كريمٌ لا يتَّصِفُ به إلا الجادُّون المُشمِّرون، والمُسارعةُ إلى أعمالِ البِرِّ طبعٌ لا يتخلَّقُ به ولا يُهدَى إليه إلا مَن وهَبَه الله علُوَّ همَّة، وقُوَّةَ عزيمَة، مع سلامةِ قلبٍ، ورَجاحَةِ عقلٍ، وانشِراحِ صَدرٍ.
ولقد أثبتت الدراسات العلمية أن فعل الخير لها تاثير إيجابى على النفس، وراحتها، ويزيد من مناعة الجسد للأمراض مما يجعل الإنسان أقل عرضة للمرض، وفى إحدى الدراسات الصادرة عن جامعة ميشيغان، كشفت الدكتورة شتيفانى براون أنّ الناس الذين يميلون بانتظام إلى إسداء فعل الخير والطيبة للآخرين، معرضون لاحتمال الموت بنسبة أقل ممن لا يفعلون الخير، وذلك على امتداد فترة لا تقل عن خمسة أعوام مقبلة. واحدة من أكثر المسائل إثارة فى هذا البحث، هى أنّ من وقع عليهم فعل الخير، لم يتحسن أداؤهم العمرى أسوة بفاعلى الخير، وهكذا انحصرت فائدة الطيبة على هذا المستوى بفاعلها دون المتلقى لها.