
صبحي مجاهد
قبول الطاعة
يعيش الكثير منا مع انتهاء شهر الصوم حالة خوف من عدم قبول الطاعة التى اجتهد فيها خلال الصوم، بل إن البعض يرى فى نفسه أنه لم يتغير وعاد إلى سابق عهده، وحتى يختبر كل منا نفسه كى يطمئن أن طاعته قبلت فقد قال العلماء إن من علامات قبول الطاعة: حالة من التغير السلوكى بعد الصيام، فيعيش الإنسان فى حالة طيبة من السلوكيات الفاضلة، تحقق لديه الغاية من الصيام وهى التقوى، والعلامة الثانية: حب الطاعة والمداومة عليها، فالمؤمن قلبه مرتبط بشكل دائم بالطاعة، ومتعلق بالله تعالى، فأحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن كان قليلا.
فمن كان صومه وطاعته مقبولة وجد فى نفسه تغييرا إيجابيا، وصونا من السلوكيات الخاطئة، فيبتعد عن كل محرم أو معصية، لاسيما أن المعاصى هى التى تظلم القلوب فتنطفئ وتبعد صاحبه عن الطاعة الحقيقية لله عز وجل، وتجعله يتعدى على حقوق غيره ويخوض فى أعراض الناس.
إن الإنسان كى يكون صاحب حياة مستقيمة وطاعة صحيحة ينبغى أن يغتنم ما اجتهد فيه خلال شهر رمضان كى يصلح من نفسه وقلبه ليستمر على الطاعة، ويجتنب أى معصية مهما صغرت، لأن خطورة المعصية أكبر مما يتصوره الإنسان على النفس، حيث يجعلها فى الباطل أمرًا عاديًا، وتبتعد عن الحق وإن كان ظاهرا جليا ، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:» إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِى قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
ويقول ابن القيم فى خطورة المعصية: إن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف فى قوله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال: هو الذنب بعد الذنب، وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب، حتى قال: وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت: غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طبْعاً، وقفلاً، وختماً، فيصير القلب فى غشاوة وغلاف، فاذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة: انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه، ويسوقه حيث أراد... ومن ثم علينا أن نتحرى الابتعاد عن المعصية مهما كان سببها، وأن نتوب إن وقعنا فيها دون أن نستمر فيها، وبذلك نكون من التائبين العائدين إلى الله، فتقبل طاعتنا، ونظل فى صلة مع الله تعالى.