الرئيس السيسى.. الرجل الاستثناء! (٢-٢)
... والأعمال الفنية دائماً ما تقوم على عاتق البطل بالطريقة نفسها التى تبحث بها الشعوب عن البطل القائد المخلِّص؛ الذى ينجيها من المشكلات داخل المجتمع وخارجه، وغالبًا ما تكون الأساطير والسير الشعبية هى الوسيلة التى تنبع من وجدان الشعب فى أوقات الشدة أو الضعف وتكون الأسطورة هى الملجأ والملاذ، ليُرفع على الأكتاف من يتوسمون فيه البطل المخلِّص الذى يخرج من قلب الجماهير ليتقدم الصفوف حاملاً أحلام مجتمعه ليحققها بحد السيف أو القوة المتاحة لديه مستندًا إلى تعضيد الجماعة التى اختارته ليتصدر الصفوف ويتحدث باسمها.
ومفهوم البطل Hero فى الحياة وفى الأعمال الأدبية والفنية واسع يشمل أنماطاً منوعة من الشخصيات الاستثنائية. فقد نقلت إلينا الحضارة الفرعونية المصرية من كانوا يعدونه «نصف إله» وهو «أوزوريس» الذى يعود للحياة بعد أن تجمع «إيزيس» رفاته فى تابوت كبير من على ضفتى النيل العظيم، وقرأنا فى الأدب العراقى خلال حضاراته المتعددة عن «آنكيدو» فى ملحمة «جلجامش» الذى يبسط سيطرته على الحيوانات الوحشية . وفى الحضارة اليونانية، امتزج الخارق بالإنسانى فى صورة البطل، فكان «أخيل» الذى يموت من سهم يصيب كعبه رغم كل قدراته الخارقة، وهو المنقذ الذى يؤسس المدن أو يحميها بذكائه كـ«أوديب» الذى ينقذ مدينة طيبة بإجابته عن أحجية «الهولة» بعد تمرده على والده لتحقيق حلم العرَّافة، ولنعرف من التاريخ اليونانى عن «عقدة أوديب» و«عقدة ألكترا»، ولكن الدخول إلى هذه المنطقة سيبتعد بنا عن حديثنا عن «البطل» ومقوماته؛ ولماذا يختاره شعبه ليعمل على إنقاذه ببطولاته الخارقة حتى لو كانت من وحى خيالهم .
وفى العصر الحديث اختلفت المعايير على منطوق البطولة والبطل، وتنوع الإعجاب إلى جوانب عديدة كالإعجاب بالقادة العسكريين ورجال الحكم، وهناك من أعد البطولة قاصرة على الذكاء والعبقرية للمخترعين والعلماء، ومنهم من اتخذ منحى آخر بعيدًا تمثل فى الاهتمام بأبطال الرياضة والرشاقة الجسدية من مفتولى العضلات التى تبهر الشباب فى مقتبل العمر، فأصبح كل فريق يناصر نوعية خاصة يمنحونها لقب «البطل» ويتعصبون لمفهومهم الخاص.
ودعونا نترك التاريخ وسطوره وأساطيره الخارقة، لنهبط إلى أرض الواقع المصرى الذى يجتاز فى هذه الآونة ما نعده فترة من أهم وأعقد فترات تاريخه الطويل، ومن الطبيعى أن يكون الاحساس الجمعى فى حاجة ماسة إلى ظهور «الرجل الاستثناء»سواء بمقوماته الشخصية أو بمنجزاته المتفردة الصادقة التوجه والهدف التى تصب فى صالح مجتمعه، والتى يعدها من الخوارق لتحقيق حلم الشعب فى الانتصار على قوى الشر التى تحاول فرض سيطرتها عليه سواء بالقهر أو بقوة السلاح، أو بالأفكار الهدّامة والمتطرفة التى لاتتفق مع دينه ومعتقداته السامية، وهذا «الرجل الاستثناء» الذى اختاره ـ بكل الطواعية ـ الإحساس الجمعى فى الواقع المصرى؛ خرج من بين صفوفهم ووجدوا فيه من يجسد منظومة رائعة من القيم والأخلاق لحماية الوطن من التردى فى مساقات لا تتفق وتوجهاته السياسية والعقائدية التى جُبل عليها المجتمع، فأغلب الثورات البشرية مهَّد لها فرد؛ كسر قيود الأغلال فتبعته الجموع، وجاءت كلمة جمال عبدالناصر لتؤكد هذا المعنى والذى طرحه أيضًا أديبنا توفيق الحكيم فى روايته عودة الروح «الكل فى واحد»، بقوله: «لقد رفعت صوتى أكثر من مرة محذراً من الاعتماد على الفرد لأن كل فرد له دور يؤديه ويمضى الشعب وحده من الأزل إلى الأبد» محفزًا الجماهير بتمثُّل دور القائد كلٌ فى مكانه.
فهل نحن الآن نعيش هذه الفترة التى ستكون كالأسطورة بعد مئات الأعوام؟
وها أنا أنحت مقالى هنا بحد السكين رغم محاذير البعض من الدخول فى تلك المنطقة الحساسة خوفًا من الاتهام بالتملق فكل ما أردته أن أسوق وقائع التاريخ القديم والحديث للتدليل على أن إرادة الجماهير وحدها هى من تقرر من تمنحه شرف تقدم الصفوف وحمل لواء البطولة، بغية تجسيد الواقع المصرى بحرفية شديدة لنقول لمن لا يعى جادة الأمور: أفِـق ! وهى كلمة حق أجسدها تعبيرًا صادقًا عن الإحساس الجمعى المصرى الذى لا يخشى فى الحق لومة لائم، ويستطبع فى كل زمان أن يختار أبطاله..