الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثقافة القانونية فى الأدب العربى

الثقافة القانونية فى الأدب العربى






كيف يؤثر الأدب فى سلوك الناس ووعيهم القانونى وما يرتبط به من قيم ومبادئ وتقاليد مجتمعية تؤدى لنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر ونبذ الكراهية والتطرف والتعصب، و من ثم ترسيخ قيم دولة سيادة القانون واحترامه طواعية واختيارًا.. وليس جبرًا وإكراهًا؟ وما يؤدى إليه يقينًا من تأكيد ثقافة المواطنة؟.. كان هذا التساؤل هو الذى حددتُه كهدف رئيس للندوة التى دعانى إليها اتحاد كتاب مصر مؤخرًا برئاسة المثقف المستنير الدكتور علاء عبدالهادى، وأدارها باقتدار الأديب فاروق عبد الله، وشارك فيها عدد من زملائى من كلا الجانبين القانونى والأدبى، وقامات سامقة من الأدباء والمفكرين والمثقفين والصحفيين وأساتذة الجامعة وضيوف أعزاء من الدول العربية والإفريقية الشقيقة والصديقة.
وفى الواقع فإن البحث فى العلاقة بين الثقافة القانونية والأدب العربى، كان يشغل حيزًا كبيرًا من تفكيرى واهتمامى، منذ أن تشرفتُ بعضوية اتحاد كتاب مصر قبل نيف وعشرين عامًا، والبداية تنطلق أن ثمة معلومات وأفكارا غير صحيحة تنفذ إلى عقول وأفهام بعض الخارجين عن القانون المارقين على أعرافه، تقتل الأنفس غدرًا وغيلة.. وتسفك الدماء بغير الحق، وتسلب الأموال، وتنشر فى الأرض الفساد، فينقلبون بها ومن أجلها حربًا مدمرة على البشر والحجر، وقد يكون ذلك عن عمد.. أو عدم وعى.. وكلاهما يواجه بالقانون.. العمد.. وهى مهمة الدول وأجهزتها الأمنية والقضائية، بالعقاب الرادع.. وعدم الوعى.. وهى مهمتنا نحن – كقوى ثقافية ناعمة – والتى منها يأتى الحديث حول الثقافة القانونية فى الأدب العربى.
ومن ثم طوّفتُ فى مسيرة الأدب العربى طيلة ستة عشر قرنًا من الزمان، بداية من امرؤ القيس رأس شعراء الأدب العربى وأبرزهم فى التاريخ والذى وصل بهذا الفن إلى ذروة شامخة، مرورًا بالغساسنة والمناذرة وجرير والفرزدق والأخطل، ثم ظهرت رسائل علمية فى التصوف خالصة  للحلاج، لكن التيار العام، بعد ابن قتيبة فى التأليف الأدبي، ينحو نحو جمع المجموعات المختلفة المتعددة الموضوعات، ويمثل هذا التيار: أبوفرج الأصفهانى صاحب الأغانى، وجاء أبوهلال العسكري وأدخل دراسة الشعر والنثر من حيث البناء والأسلوب، بلاغة وبديعاً، ويعد عبد الغنى النابلسي أبرز شخصية ظهرت فى القرن 18، وقد تأثر به أكثر كتاب هذه الفترة فى مصر وسوريا، بل وصل أثره إلى المغرب أيضاً.
ثم يأتى العصر الحديث بأحد أكبر المجددين ورائد (مدرسة الإحياء) فى الشعر العربى فى نهاية القرن التاسع عشر هو الراحل محمود سامى البارودى باشا وقد تأثر به شعراء مدرسة الإحياء وأشهرهم فى مصر أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وفى العراق معروف الرصافى وقد عاصرهم شعراء كثيرون من مثل إسماعيل صبرى وأحمد محرم وجميل صدقى الزهاوى و وحيد خيون.
وجاء بعدهم شعراء تأثروا بما ترجم من الآداب الأوروبية فقامت مدرسة أبولو فى مصر، وكانت تعيش إلى جانب هاتين المدرستين مدرسة نشأت فى الجانب الآخر من العالم أطلق عليها مجموعة (شعراء المهجر) حيث أنتجت كوكبة من العرب المهاجرين أدبًا أصيلا تجديديًا خالدًا امتلك سماته الخاصة وشق طريقه فى تاريخ الأدب العربى وخلال القرن العشرين وحتى الآن فإن الأدب العربى ينضج ويكتمل فى مختلف فروعه ومجالاته.
والسؤال الذى يطرح نفسه بعد تلك المسيرة: هل عكس الأدب العربى الثقافة القانونية السائدة؟ وهل أثَّر.. أو تأثَّر بها، وفق منهج كل فترة من تلك الفترات؟.. الذى أعتقده، أن كثيرًا من عيون الأدب العربى، أجاب بالإيجاب عن ذلك السؤال.. وإن كان ذلك كذلك - كتعبير محكمة النقض - فإن هذا يحتاج لجهد مؤسسى ضخم، لبحث ودراسة أحشاء هذا التراث الأدبى العربى عبر ستة عشر قرنًا من الزمان فى النثر والشعر والقصة والرواية والمسرح!
وأكرر دومًا أن تقدم الدول وقيام الحضارات يدور وجودًا وعدمًا وقوة وضعفًا وإيجابًا وسلبًا مع رسوخ اقتناعها باحترام القانون وقدسيته ووعى الشعوب به، ولهذا تتعدد أهداف القانون وغاياته والنتائج المترتبة على سيادته وتمسك الإنسان به، وهو ما يجد صداه فى منتجات الفكر البشرى.
وبالقانون.. تحيا مصر،،


ِ