السبت 13 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«أبوزيد»

«أبوزيد»






لم ننتبه لذكرى ميلاده، ولا ذكرى وفاته، الفارق بينهما 5 أيام فقط ،خمسة أيام هى الفاصلة بين ذكرى ميلاد وذكرى وفاة المفكر الكبير دكتور نصر حامد أبوزيد «10 يوليو 1943- 5 يوليو 2010».
للأسف كثيرون لايعرفون عن نصر حامد أبوزيد إلا ما روجته القوى الظلامية، من رفعوا فى وجهه الاتهام المعلب الجاهز دائما ليقلب حياة أى إنسان رأسا على عقب: أنت ملحد!
الدكتور نصر حامد أبوزيد، أحد أهم المفكرين العرب التنويريين، والذى تخصص فى الدراسات الإسلامية وفقه اللغة العربية والعلوم الإنسانية.
«أبوزيد» كان صاحب مشروع مهم فى تجديد الفكر والخطاب الدينى، ورغم تعرضه للتنكيل من قبل «الظلاميين» وصل إلى حد اتهامه بالكفر، وإجباره على الهروب  من مصر، بعد الحكم بالتفريق بينه وبين زوجته دكتورة ابتهال يونس أستاذ الأدب الفرنسى بجامعة القاهرة، على أساس أنه ملحد ولا يحق له الزواج من مسلمة، إلا أنه ظل صامدا ومدافعا عن حق الإنسان فى التفكير والبحث وإعمال العقل.
كتاباته أثارت  ضجة إعلامية كبيرة  فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، واتهم بسبب أبحاثه العلمية بالردة والإلحاد، وبدلا من حصوله على درجة الأستاذ بالجامعة انقلبت حياته رأسا على عقب بسبب تقرير  الدكتور عبدالصبور شاهين، أحد أعضاء لجنة مناقشة بحث أبوزيد، شاهين فى تقريره اتهم  نصر حامد أبوزيد بالكفر.
وتشاء الأقدار أن يشرب دكتور عبدالصبور شاهين من نفس الكأس ويتعرض لحملة تكفير على كتابه أبى آدم والذى صدر بعد سنوات بسيطة من واقعة نصر حامد أبوزيد!
 «أبوزيد» اهتم خلال رحلته العلمية بثلاثة محاور رئيسية، هى دراسة التراث على أسس علمية ووضعه فى سياقه التاريخى، ونقد خطاب الإسلام السياسى، وتأصيل وعى علمى بدلالة النصوص الدينية.
«أبوزيد» تجربة حياتية ثرية وفى منتهى الأهمية، تجربة اجتهاد ودأب حقيقى من البداية وحتى الموت الغامض  الذى لا يليق إلا بنهاية مفكر مثل نصر حامد أبوزيد.
 ومنذ أن فجر الجدل حوله برصاصته غير القابلة للارتداد، منتصف تسعينيات القرن الماضى، أصبح اسم نصر حامد أبوزيد أيقونة لكل من يريد أن يفكر ويبحث ويجتهد، حتى رحيله المفاجئ شكل «لغزا» لا يفك «شيفرته» تصريح مقتضب صدر وقتها عن مستشفى «زايد التخصصى»، عن سبب وفاة أبوزيد «67 عاما» بأنه أصيب «بفيروس مجهول»خلال زيارة له إلى إندونيسيا قبل أسابى، ثم لاشىء، سريعا تمت إجراءات الدفن وتقبل العزاء!
«أبوزيد» تجربة حياتية مهمة جدا، ومهم أن نعلمها لأولادنا، رحلة كفاح ضد الفقر والحاجة.
نشأ فى أسرة ريفية بسيطة، لم تستطع ظروفها المعيشية أن تجارى طموحه الدراسي، فتوقفت مرحلته العلمية عند الحصول على دبلوم المدارس الصناعية، والتحق بعدة أعمال بعد التخرج، غير أن  عناده وإصراره على أن تكون حياته كما يريد  هو لا كما تريد الظروف، جعل من الطالب الحاصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكى فى العام 1960، يبدأ حياة جديدة تماما، حياة صنعها بنفسه وبدخله البسيط ذاكر ثانوية عامة، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة وحصل على الليسانس من قسم اللغة العربية فى  العام 1972 بتقدير ممتاز، ثم ماجستير من نفس القسم والكلية فى الدراسات الإسلامية العام 1976م وأيضا بتقدير ممتاز، ثم دكتوراه من نفس القسم والكلية فى الدراسات الإسلامية العام 1979 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
الشاب الذى كادت الظروف أن تحرمه من دخول الجامعة قدم للمكتبة العربية وللعقل العديد من الأفكار والكتب، أظن أننا فى حاجة لمراجعتها إذا كنا بالفعل نريد تجديد الفكر الدينى.
«أبوزيد» ترك لنا «الاتجاه العقلى فى التفسير: دراسة فى قضية المجاز فى القرآن عند المعتزلة» و«فلسفة التأويل: دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى» و«أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة: مدخل إلى السميوطيقا» و«مفهوم النص: دراسة فى علوم القرآن».
كما ألف «إشكاليات القراءة وآليات التأويل» و«الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية» و«نقد الخطاب الدينى» و«المرأة فى خطاب الأزمة» و«التفكير فى زمن التكفير» و«الخلافة وسلطة الأمة» و«القول المفيد فى قصة أبوزيد» و«النص، السلطة، الحقيقة» و«دوائر الخوف: دراسة فى خطاب المرأة» و«الخطاب والتأويل» و«هكذا تكلم ابن عربى» و«اليسار الإسلامى: إطلالة عامة».
كتب مهمة جدا، علينا أن نعمل على نشرها بين شبابنا ونعيد قراءتها، وأيضا التجربة الحياتية الفذة القائمة على الاجتهاد والصبر وقيمة العمل علينا أن نعلمها لأبنائنا.