
حازم منير
مصر وليبيا
دائما البداية من القاهرة، ليس موقفا شوفينيا، ولا وطنيا متطرفا، إنما هى حقيقة مُسجلة فى دفاتر تاريخ المنطقة، إن مشكلات المنطقة وأزماتها تبدأ من القاهرة، وحلولها تبدأ أيضا من القاهرة، ولا يستطيع أى كائن كان إنكار هذه الحقيقة.
القاهرة تستضيف هذه الأيام، أول تجمع ليبى من نوعه، يضم كل ألوان الطيف السياسى الليبى، أو بل أدق أغلبه، من أعضاء البرلمان، المنتمين إلى جماعات وتيارات سياسية وطنية، من غير جماعات الإرهاب بالقطع.
العلاقات مع ليبيا لم تقتصر يوما على علاقات رسمية، أو اتصالات سياسية، إنما هى علاقات شعبية بالدرجة الأولى، سواء فى أوقات الانحسار، أو فى أيام الوحدة، وليبيا عٌمق حقيقى غربا لمصر، وتمثل منفذ أمان لداخل البلاد.
وتعاملنا مع ليبيا، ظل فى أصعب الأوقات حريصا على المصالح والوشائج المتبادلة، وظلت القيادات السياسية المتعاقبة تحرص على ذلك، عدا لحظات قليلة للغاية فى التاريخ، كانت بمثابة لحظات خروج عن السياق العام التقليدى.
منذ ضربت ليبيا كارثة الجماعات الإرهابية، والدولة المصرية حريصة، على دعم الجيش الوطنى الليبى، فى هدفه الواضح تحرير ليبيا من الإرهابيين، وحماية أركان وأسس الدولة الوطنية الليبية، وتوفير حياة آمنة للشعب الليبى.
ولأن مصر تعرف دورها جيدا، فقد رفضت أن تقحم أو تفرض نفسها فى الخلافات السياسية الداخلية فى ليبيا، واكتفت بتأكيد دورها فى دعم جملة من القواعد والمبائ الأساسية الكفيلة بترجمة مبدأ عدم التدخل من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمان تعبير الشعب الليبى عن حقه فى اختيار وتحديد بنائه الوطنى، من دون تدخلات أو ضغوط لأى طرف كان.
المشكلة الليبية المتفاقمة فى الآونة الأخيرة، تعكس صورة مذهلة، لحالة التدخل الخارجى فى الشأن الليبى، وهى نموذج للصراعات الدولية على المصالح الخاصة بالدول وشركاتها، وكيف يصل الأمر بالمنافسة على المصالح التجارية إلى دعم صراعات ومصادمات دموية، وتمويل استئجار ميليشيات، وتوظيف جماعات الإرهابية عن بعد، لتأجيج الصراع الداخلى فى ليبيا، من أجل حسم المنافسات التجارية لصالحها.
فى ليبيا، العالم أمام نموذج فريد من التعامل الدولى، يحظر دعم الجيش الوطنى المُقاتل والمُحارب ضد الإرهاب، بينما يغٌض الطرف ويتجاهل دعم ميليشيات الإرهابية بالسلاح والعتاد، وتوفير متطلباته اللوجستية من علاج وغذاء وتجهيزات حربية.
لم تخرج كل هذه المشاهد عن الوعى المصرى، وما يحيط بليبيا من محاولات، لتعميق وتكريس الانقسام الداخلى، واستخدام جماعات الإرهاب فى إثارة الفتنة الداخلية، وتعميق حالة الصراع المسلح، ومواصلته بما يدفع بالبلاد دوما فى دوامة الانقسام والصراع.
من كل هذه المعانى جاءت استضافة التجمع الليبى، من كل ألوان الطيف السياسى، لتأكيد أن الحل السياسى هو الوسيلة الوحيدة لخروج ليبيا من دوامة الصراع والانقسام، وأن تفاهم وتوافق كل القوى السياسية هو السبيل لمواجهة التدخلات الخارجية، وللتضامن والتفاعل فى مواجهة جماعات الإرهاب.
ستظل مصر سندا لليبيا على خلفية الفهم الصحيح والعميق للمعانى التى تمثلها كل دولة للأخرى.