الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وردة بين الصخور

وردة بين الصخور






تظهر الصخور بقلوب قاسية، شديدة، صلدة، تنكسر عليها الأمطار، حتى أشعة الشمس لا تقوى عليها، ورغم ذلك تشاهد الوردة تشق طريقها بهدوء وتقتات على بقايا المطر، وتخرج مزدهرة يانعة من قلب قسوة الصخور مجسدة أجمل مشاهد الكون، إنه الأمل.
 الحياة بطبيعتها صعبة، قاسية كالصخر، تحيطك بتحدياتها من كل اتجاه، تبحث عن حلمك وسط أكوام المشاكل والأزمات، عملية قد تستغرق عمرك كله، وربما يأتى من يستكمله بعدك، وربما لا.
كذلك الدول، تعيش نفس الحياة الصعبة، بتعقيدات أعلى ومخاطر أشد، تشق طريقها كالوردة لتخرج من بين الصخور صانعة الأمل لشعبها، وهو ما فعلته الدولة المصرية التى أبهرت العالم فى بطولة كأس الأمم الإفريقية بتنظيم عالمى لأهم حدث رياضى إفريقى، وكانت الرسالة واضحة، مصر عادت.
إذا سألت أى متابع للشأن المصرى قبل خمس سنوات، هل تتوقع أن تنجو مصر؟ لأنك بالتأكيد لن تجرؤ على سؤال استعادة الدور والمكانة.. فى أشد حالات التفاؤل كنت ستسمع صمته، لأن كل المؤشرات لم تكن فى صالحنا، اقتصادية وسياسية واجتماعية، دولة منهارة، بنية تحتية خربة، إرهاب، غياب للأمن، باختصار كان المشهد عبارة عن فوضى عارمة تضرب أركان أعرق دولة عرفها التاريخ.
تسلحت مصر بالأمل، كان هو الزاد فى الطريق الصعب، البداية كانت استعادة الأمن وتثبيت الدولة وقدمت من أجل ذلك تضحيات عظيمة من أبنائها فى القوات المسلحة والشرطة الذين تصدوا لأضخم موجة إرهابية شهدتها دولة فى العصر الحديث، حتى نجحت مصر فى محاصرة الظاهرة فى الداخل، وبالأمل أصبحت تحاصره أيضا فى الخارج، وقدمت الأدلة وكشفت أسرار التنظيمات الإرهابية ومموليها، ولأول مرة تجد الجماعة الإرهابية نفسها محاصرة فى كل الدول التى كانت تقدم لها المساندة فى السابق، بل هناك طلب على تصنيفها كجماعة إرهابية فى أمريكا العديد من الدول الأوروبية وهو الأقرب للتطبيق، وأتصور أن محاولات التجميل التى تقوم بها منظمات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية، تأكل من مصداقية تلك المنظمات ولا تمنع الجماعة من مقابلة مصيرها المحتوم بعدما ظهرت للعلن مخططاتها التخريبية طويلة المدى وحلمها فى إقامة دولة دينية حتى داخل الدول التى تأوى عناصرها فى أوروبا وآسيا.
بنفس القوة اقتحمت مصر ملف الإصلاح الاقتصادى وتجرعت الدواء المر فى دعم الطاقة والإصلاح النقدى، وتسلحت مرة أخرى بالأمل فى مواجهة أكبر حرب شائعات تعرضت لها دولة فى العالم بمعدلات تصل إلى 21 ألف شائعة فى ثلاثة أشهر، تدعمها وتنشرها فضائيات وحسابات على مواقع السوشيال ميديا تملكها الجماعة الإرهابية، وتديرها المخابرات التركية، وتمولها قطر، تنجح مصر فى النهاية فى إنهاء المرحلة الأصعب من الإصلاح الاقتصادى، وتقدم للعالم التجربة المصرية فى الإصلاح الاقتصادى وتوفير مظلة حماية وحياة كريمة لمواطنيها.
ما شهدناه فى تنظيم الأمم الإفريقية من إبهار ودقة فى التنظيم وأمن محكم واستقبال حافل للأشقاء الأفارقة مع مشهد ملاعب عالمى تم فى خمسة أشهر فقط، حققت به مصر المستحيل وكانت عند الوعد مع الاتحاد الإفريقى لكرة القدم وقدمت تنظيما عالميا يليق بإفريقيا الجديدة أظهرت فيه قدراتها وإمكاناتها المتطورة، مصر غيرت الصورة النمطية وقدمت صورة جديدة لدولة ناجحة فى إفريقيا.. رغم كل ما يحيط بها من مخاطر، شقت طريقها كوردة بين الصخور لتصنع ربيعًا إفريقيًا يقود القارة السمراء لعصر جديد.