الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«ماليكى» صاحب الواقعية الساحرة فى الفن الحديث

«ماليكى» صاحب الواقعية الساحرة فى الفن الحديث






( من يستطيع أن يخلق من ريشته عالمًا تجول فيه العين يستطيع أن يحيل المتلقى لعالم جديد يسعده ويؤانسه أو يحرك فيه ذكرى).. هذه المقولة التى نستطيع أن نعتبرها نظرية فى الفن التشكيلى قالها فرانجيلكيو فنان عصر النهضة من أكثر من خمسمائة عام لكنها تتداخل بشكل كبير مع زخم النقاش الدائر حول ما يعرف بجدوى الفن التشكيلى التجريبى والحداثى لأنه أحيانًا ما يتناقض مع قواعد التشكيل الرئيسية المعنية بمدى فهم المتلقى واستيعابه لمفهوم العمل الفنى وخصوصًا المتلقى العادى غير المتخصص، من هنا عاشت المدارس الفنية الواقعية جنبًا إلى جنب مع المدارس الحديثة أو بمعنى أدق لم تستطع المدارس الحديثة إقصاء المفهوم القديم للفن التشكيلي، لكن الملاحظ الآن من عملية رصد بسيطة للحركة التشكيلية فى العالم كله هو عودة قوية للمدارس الواقعية بل ومدارس التنظير البصرى على حد الدقة حيث أصبحت المحاكاة الفنية للمشهد الطبيعى أو الموديل الواقعى هى سيدة الساحة بلا منازع فى وجود التقنيات الحديثة مثل شبكة الإنترنت.
والحقيقه لم أكن أعرف ما هو مدى تأثر المتلقى العالمى بتلك المتعة البصرية المتضمنة بالواقعية التشكيلية لكن من معادلة رصد بسيطة اكتشفت أن هذا الافتتان بالواقعية أدى إلى طفرة كبيرة جدًا من انتعاش هذه المدرسة التى أصبحت تستخدم بشكل طاغٍ كنموذج لجذب المتصفحين على الإنترنت .
وفى رصد عشوائى اكتشفت فنانًا تشكيليًا تستخدم لوحاته على أكثر من 266 صفحة إلكترونية كما أن لوحاته تستخدم كشعار من قبل ما يقرب من مليون متصفح على الإنترنت مما دفعنى للتساؤل عن ذلك الفنان الذى كان بالنسبة لى مجهولًا ناهيك عن تقنياته التشكيلية التى تتعدى تقنيات أعظم فنانى عصر النهضة
ثم جاءت المعلومة والكشف عرفت أن هناك فنانًا إيرانيًا شابًا لم يتعد الخامسة والثلاثين من عمره قام بطفرة فنية شجعت هذا الكم الهائل من الشباب على تذوق الفن الواقعى بل وخلق هذه الحالة من الافتتان به، هذا الفنان الشاب هو إيمان ماليكى والذى عبق الإعلام الإلكترونى بعبق ساحر من ذكرى الفن التشكيلى العظيم فأصبحت أرى الشباب من كل أنحاء العالم يرون فى لوحاته عالمًا من الصفاء بالرغم من معظمهم لا يعرفون حتى اسمه.
يزخر عالم إيمان ماليكى بما يعرف ببهجة اللحظة على حد تعبير دميانو مارتينى الناقد الايطالي، وبهجة اللحظة هى التى تصدر لنا ذلك الشعور بالصفاء والتألق التى تمنحها لنا أعماله وعلينا أن ندخل سريعًا إلى عالمه الفنى حتى نستشعر هذه البهجة والغموض والصوفية أحيانًا.
ينتمى ماليكى إلى مدرسة الواقعية التى تنتهج منهج عدسة الكاميرا مع ملاحظة أن تحيط بالعمل هذه الغلالة من المشاعر والأحاسيس التى تحيلنا بالطبع لعبقرية المحاكاة عنده، فهو يعطى للمحاكاة حياة أكبر من كونها حياة عادية فأشخاص وأبطال لوحات ماليكى أكثر حيوية من الواقع الذى قد تشوبه الكثير من الجمود وأحيانًا الانكسار وبداية يجب أن تحدث عن نساء ماليكى الذى يدور حولهم معظم فنه نساء ماليكى قطع من حوريات الجنة على الرغم من احتجابهم فى العمل بشكل جزئى وبدون مواراة أو خجل، الموديل عند ماليكى هو الموديل المحتشم فموديله غالبًا مغطى من الرأس والجسد يغلله غلاله من الحشمة اللا متناهية وعلى الرغم من ذلك وهذا لب إبداع ماليكى تطفح نسائه شلالات من الفتنة والجاذبية ولا نعرف هل هذا بسبب حرص إظهار ماليكى لذلك على الرغم من التحفظ الواضح فى التعامل مع جسد الأنثى فهو يستطيع أن يكتشف الجمال والفتنة فى أدق التفاصيل حتى فى أصابع القدم كما يظهر فى بعض لوحاته أو من تلك الخصلات التى تظهر من غرة شعر الرأس المغطى بفنية عالية ولعلنى تساءلت للحظة عن هذا الموديل الذى يتبناه ماليكى فى لوحاته هل له وجود ؟ أم هو وليد خياله المفتون بسحر امرأة خيالية؟.. الحقيقة أننا أمام عالم زاخر من الصفاء فى لوحاته على الرغم من أنه يستخدم الألوان المطفية لكن البهجة تشع من كل نواحى اللوحة ويمكن أيضًا أن نقول إن الكآبة التى تغلف بعض لوحاته تشع بهجة غريبة روحية تغازل قلوب المتلقين ولذلك فإن الألوان المطفية تناسب موضوعاته أكثر، ففى لوحاته الشهيرة والرائعة بقايا منزل وتلك الفتاه الجالسة تكتب وكأنها فى حلم شاعرى طل علينا من ماض سحرى والعصافير الصغيرة واقفة بالقرب من الفتاة وكأنها تشرب سحرًا من سنا هذه الفتاة الذى يظل جمالها صارخا ومعبرا بالرغم من احتجابها تحت تلك العباءة الإيرانية التقليدية.
لعل أهم ما يميز فناننا أن لوحاته قد تخدع المتلقى للوهلة الأولى فيعتقد أنها صورة فوتوغرافية فهو يستطيع أن يوزع الضوء والظلال بشكل أكثر قوه من آلة التصوير نفسها ولعلنا أيضا لن نبالغ كثيرا أذا قلنا أن ماليكى تفوق فى ذلك على عظماء مثل الما تاديما ومثل سير وليم وترهاوس ولعلنى أيضا أجد أن استخدامه للإضاءة الشمعية والجانبية يجعله يقترب من جورج ديلاتور لكن بشكل أكثر حداثة.