الأحد 20 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بداية الانهيار

بداية الانهيار






فى مثل هذه الأيام قبل 29 عاما، وتحديدا فى 2 أغسطس العام 1990، اجتاحت القوات العراقية الحدود الكويتية، واحتلت البلاد، ورفعت علمها الوطنى عليها، وأعلنتها جزءا من الأراضى العراقية، لتسجل بداية اختراق الأمن القومى العربى، وتطلق شرارة الانهيار التى شاهدنها بعد عشرين عاما تقريبا.
تسبب الغزو فى شرخ عربى عميق، تجاوز مرحلة الصدام بين الحكام العرب، إلى انقسامات عنيفة ومصادمات داخل الأسرة الواحدة فى أغلب الأسر والعائلات العربية داخل كل دولة على حدة  من دون مبالغة، فكان الشرخ غير مسبوق فى المنطقة.
 حين تقرأ ما تشاهده اليوم من أحداث، فعليك العودة بالذاكرة للخلف، لمطالعة وقائع التاريخ، وما عاشته المنطقة العربية، من صراعات ومساجلات سياسية، بين الفرقاء تسببت فى واقع، كان له تداعياته العنيفة، التى تداعت نتائجها، وكان لها تأثيراتها العميقة فيما نعيشه الآن من أحداث.
غزوالعراق للكويت، رسم خريطة سياسية جديدة، مغايرة لما كانت قائمة قبل الغزو، وهى خريطة أعادت رسم التحالفات السياسية فى المنطقة، وصنعت عداوات، ربما كان بعضها قائما، لكنه مختبئ خلف ظواهر معاكسة، وظلت آثار تلك المصادمات السياسية مستمرة فى بعضها حتى الآن، وربما لا تبالغ وأنت تربط بين ما يجرى فى الشام وبين  نتائج ما جرى وقتها، ومازلنا نعانيه .
قواعد كثيرة تغيرت بسبب ذلك الزلزال، الذى هز المنطقة بعنف، فدمر أعمدة، وصدع قصورا، وهز مؤسسات ومقار حكم، وفتح الباب لتدخلات خارجية فى المنطقة، كانت تتم فى أضيق الحدود وعلى استحياء، فأصبحت جزءا من قوة العلاقات والتأثير فى المنطقة .
بالقطع انهارت قوى كانت عنصرا حاكما فى توازنات المنطقة مثل الجيش العراقى، وانسحبت كتلة المغرب العربى من التواجد المباشر، وتشكلت كتل سياسية جديدة، وتفجرت الخلافات الأقليمية، وتمكنت قوى دولية من فرض نفوذها، وتبدلت الأولويات والاهتمامات العربية، وتراجعت مصالح إقليمية، وحلت مصالح دولية بديلة، وأعيدت رسم الخريطة السياسية لبعض الدول وبعضها فى الطريق،  فكانت النتيجة المزيد والمزيد من الثغرات، التى أتاحت اختراقا مؤثرا لأمننا الأقليمى.
من المؤسف أن يعتقد البعض إعادة فتح هذا الملف، بمثابة استعادة لذكريات مطلوب أن تُطوى، وفى الحقيقة إن إعادة الحوار عليها، أصبح ملحا، خصوصا ونحن نعيش مرحلة تحتاج للتحاور والهدوء، لمواجهة مخاطر محدقة تسعى لاستثمار الاضطراب الحاصل فى الإقليم لأجل مصالح دولية تتعارض تماما مع مستهدفات ومصالح الأمة .
أخطر ما أشارت له حقبة الغزو، أن غياب لغة الحوار والتفاهم، تفتح الباب لعنصر القوة وما يترتب عليه من سلبيات، وأن المصلحة العليا لشعوب المنطقة تتطلب أولا وأخيرا، إعلاء المصلحة الإقليمية، والتفاهم فى شأنها، ودراسة ما يحيط بالمنطقة من أخطار سواء تلك اللحظية أوالأخرى المستقبلية، من أجل التعاطى معها، ودراسة تفاصيلها، ووضع تصورات لحماية الأمن الأقليمى للمنطقة .
غزوالكويت كان بداية الانهيار، والتلاعب الحالى بالمنطقة يسعى للإجهاز عليها، والدروس قائمة لمن يريد التعلم .