ليلة النار والتنمية المستدامة
هناك أخبار تسعدك لأنها تخص أناسا تقدرهم كثيرا، ومن الأخبار الطيبة التى أسعدت كثيرا ممن يكتبون للطفل فى مصر أن الكاتب الكبير يعقوب الشارونى قد فازت روايته «ليلة النار» بتقدير الأمم المتحدة كواحدة من خمس روايات عالمية تناولت التنمية المستدامة كأحد أهم البرامج التى طرحتها الأمم المتحدة لمعالجة الكثير من القضايا التى تهتم بتنمية مستدامة لصالح الإنسان فى كل مكان من المعمورة وبالطبع منها مصر.
ورواية «ليلة النار» الصادرة عن دار نهضة مصر للكاتب الكبير يعقوب الشارونى الذى يعتبر أحد أهم كتاب الأطفال الذين جادت بهم قريحة الوطن العربى لكتاب الطفل، فقد فاز بعدد كبير من الجوائز والتكريمات المصرية والعربية والعالمية، فحين فكرت كيف عبرت تلك الرواية عن التنمية المستدامة وجدت أنها حققت الكثير من الأهداف التى رصدتها الأمم المتحدة لكى تحقق الدول فكرة التنمية المستدامة لمكافحة الفقر والمرض والجهل والعشوائية، فقد مست الرواية الكثير من الأهداف السبعة عشرة والتى جمعتها مصر فى أربعة أهداف عملت مصر على تحقيقها خلال خطة 2030، و تمثلت تلك الأهداف فى تطوير المؤسسات فى كل الوزارات بما يحقق رؤية الاستدامة والاهتمام بالصناعات الثقافية وغيرها، ودعم وتنمية الحفاظ على التراث والموروث الشعبى لمصر وأخيرا بناء الإنسان المصرى، وتم وضع تلك الأهداف مع مراعاة عدة أبعاد مثل البعد البيئى والبعد الاجتماعى والبعد الاقتصادى لتنفيذ أى برنامج.
ولو نظرنا لرواية ليلة النار سنجد أنها بدأت بفعل درامى يشد الطفل ويأخذه مباشرة لعمق الأحداث، فقد بدأت الرواية بحريق السوق الذى يمثل للحى العشوائى كل شيء، وحرق السوق لأنه كان مصنوعا من الخيام، مصنوعا من شيء قابل للحرق، مصنوعا من شيء غير قابل للاستدامة، وكانت تلك هى النقطة المهمة التى أشارت مباشرة لفكرة التنمية المستدامة، فقد فكر بطل الرواية الطفل مختار فى أن يبنى السوق من الطوب الأحمر وأقنع بها والده بذلك بمساعدة شيخة السوق أم جبر،وهنا يفكر الطفل فى بناء المؤسسة بناء مستديما بناء يظل أطول وقت ويكون فى الوقت نفسه صديقا للبيئة وغير قابل للاشتعال أو احتواء أى شيء يمثل خطرا على الإنسان. لذا كان بناء المؤسسة التى تمثل السوق هدفا مهما وأساسيا من أهداف التنمية المستدامة التى تمثل لكل أبناء تلك المنطقة العشوائية شيئا مهما جدا يجب أن يسعوا إليه ويحققوه فى أسرع وقت قبل أن تأتى الشرطة، ومن الأشياء المهمة التى تناولتها الرواية التكافل الاجتماعى الذى ظهر من أول لحظة حين بدأ الكل فى المساعدة لمكافحة النيران التى اشتعلت فى السوق دون أية تفكير أو تردد، فقد تحرك الجميع على قلب رجل واحد، وحين اقنعوا ببناء السوق بالطوب الأحمر بدءوا التحرك لجمعه من عند التاجر الكبير وعملوا جمعية لجمع الأموال لكى يشتروا الأسمنت، وأرى أن هذه الجمعية واحدة من أجمل وأروع صور التكافل الاجتماعى التى اخترعها المجتمع المصرى منذ مئات السنين وتعتبر تلك الجمعية بمثابة القرض الحسن لمن يحتاج إلية ليسد ديون أو يشترى شيئا مهما وعاجلا، كما إنها تحقق حالة من الأمن الاجتماعى والمحبة بين أبناء المجتمع، كما أنها تحقق أيضا نوعا من أنواع وأشكال المظلة المالية والاقتصادية ساعة الأخطار التى تواجه الإنسان المصرى فى كل مكان وزمان .
وتتناول أعمال الشارونى للطفل عددا من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المهمة التى تطرحها العديد من أعماله والجميل أنه يطرح حلولا لتلك المشاكل الاقتصادية التى تواجه الأطفال مثل عمالة الأطفال واستغلالهم ومواجهتهم الحياة رغم بكارتهم وأسنانهم التى مازالت لبنية، ولكنهم يعتبرون مهمة كتروس للنمو الاقتصادى فى المجتمع ، خاصة فى الأحياء الشعبية والعشوائيات المنتشرة فى مصر التى زادت عن عشرين منطقة فى أماكن متفرقة من جسد الوطن .
وختاما نجد أن الكاتب الكبير يعقوب الشارونى تناول فى هذا العمل عددا من المشكلات التى تواجه المجتمع المصرى والتى يحاول أن يطرح لها حلولا مناسبة داخل العمل، تحاول جاهدة أن تحقق دعائم الأمن فى المجتمع وتضمن له السلامة، فلن يعيش المجتمع آمنا فى ظل وجود عدد كبير من العشوئيات التى تحيط بالقاهرة وسائر مدن وقرى مصر، لابد من وجود مجتمعات مستدامة محافظة على البيئة وتعيش تحت مظلة اجتماعية وإقتصادية معقولة ومناسبة، وعليه أرى أن الأمم المتحدة قد أصابت الهدف حين أعطت رواية ليلة النار هذا الاهتمام وهذا التقدير.