
د. طارق الغنام
مدينة الفنون والثقافة
تمتلك مصر ثروة ثقافية زاخرة امتدت عبر آلاف السنين، مكنتها من أن تكون فى مقدمة الحضارات فى العالم القديم وعبر الأزمنة التاريخية المتلاحقة، وإدراكاً من الدولة للدور الثقافى الذى تقدمه مصر للعالم خاصة فى نطاقها الإقليمى وتقديراً للمنتج الثقافى الذى يشكل صورة الشعب المصرى خارج حدود دولته، والذى يعد العامل الأكثر تأثيراً لتشكيل الوجدان المصرى والمؤثر الأكبر على منظومة القيم والتقاليد، والمعبر عن الطاقات الإبداعية والأفكار الخلاقة والرائدة والرؤى العميقة، فقد سعت الدولة إلى إنشاء مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة لتدخل بها عصراً جديداً تسترد به ريادتها الثقافية، ولتصبح هذه المدينة منبراً للثقافة بالشرق الأوسط .. حيث يقام هذا الصرح الثقافى على مساحة 127 فدانا، ويضم العديد من المسارح المتخصصة وداراً للأبرا، وقاعات عرض، ومكتبات، ومتاحف، ومعارض فنية لكل أنواع الفنون، ومكتبة موسيقية، ومكتبة مركزية ضخمة، وقاعة عرض سينمائى متصلة بالأقمار الصناعية، وثلاث قاعات تدريب، و«أستوديو» للتسجيل الصوتى، ومركزاً للإبداع الفنى ،ومتحفاً للشمع، لتشكل بذلك صرحاً ثقافياً لم تشهده مصر من قبل يستحق كل التقدير والدعم.. وفى ظل السعادة الغامرة التى يشعر بها المثقفون وتطلعهم إلى رؤية هذا الصرح الثقافى على أرض الواقع كمركز ثقافى متميز يخدم الإنسانية ويعبر عن الحالة الثقافية المصرية، نأمل فى ظل ما تنتهجه الدولة من سياسة التنمية المستدامة أن يكون قد رُوعِى فى تخطيط هذه المدينة إفساح المجال للتطوير والتمدد بحيث لا تكون هذه المدينة أسيرة لرؤية ومساحة محددة يمكن أن تصيبها بحالة من الجمود، فالإدارة الواعية لهذه المدينة والمراجعة المستمرة لخططها الإستراتيجية وقيامها بإجراءات التقويم الذاتى بصفة دورية وتقييم دورها التنافسى يتطلب إدارة متميزة؛ حتى تكون مقصداً محلياً وإقليمياً ودولياً، فالتشغيل المبدئى لهذه المدينة قد يفرز العديد من المتطلبات الثقافية التى سيفرضها الواقع، فقد تحتاج هذه المدينة إلى إقامة مشروعات ثقافية أخرى فى حال ما إذا قدر الله لهذه المدينة النجاح فيما تؤديه من دور تنورى يسرت الدولة له سبل تحقيقه، فقد يتطلب الواقع المزيد من المسارح والحدائق وإقامة «المولات» والمطاعم، أو منابر للأفكار واللقاءات الإبداعية أو مشروعات ترفيهية، المهم أن يتاح فرصة للتمدد لترويج منتج ثقافى ذى جودة عالية، بحيث تكون هذه المدينة مركزاً لتبادل الخبرات بين مُنْتِجى الثقافة ليبرز دوراها الثقفى فى التنوير ومواجهة الظواهر المجتمعية السلبية، وتكون قادرة على استيعاب الطاقات البشرية الإبداعية من مصر وجميع دول العالم..