
حازم منير
الأزمات الأوروبية
يبدو أن الأزمات العميقة والمصائب لا تلاحق المنطقة العربية بمفردها، وإذا كان الإرهاب الذى ضرب المنطقة قد عبر البحار والمحيطات ليضرب الغرب فى كل مكان، فإن القارة العجوز دخلت هى الأخرى فى بركان الأزمات السياسية، بما يهدد استقرارها، وبقاء أوضاعها السياسية الحالية.
المؤكد أن الأزمة الإيطالية الأخيرة، واستقالة الحكومة صاحبة الأغلبية (3% من الأصوات)، والمشكلات التى تواجه تشكيل حكومة جديدة، ربما تدفع بالبلاد لانتخابات مبكرة، تأتى نتائجها بما لا تشتهى السفن، من سيطرة تكتلات وتجمعات سياسية يمينية، معادية لفكرة الاتحاد الأوروبى، ومطالبة بالانفصال عنه، أو أن تفشل أى قوى سياسية فى الفوز بنسبة تتيح لها الائتلاف مع الآخرين، بسبب هذا التشتت فى الرأى العام الإيطالى، وهوما يعنى دخول البلاد فى أزمة سياسية عميقة.
الحالة الإيطالية ليست الوحيدة فى الموقف من الاتحاد الأوروبى، التى تتوزع على عدد من البلدان بعد نجاح اليمين المتشدد، فى تحقيق نتائج مفاجئة سواء على مستوى البرلمان الأوروبى، أوعلى مستوى الانتخابات البرلمانية المحلية، ما ينبئ بمخاوف مستقبلية ممكنة فى هذا السياق.
الأزمات السياسية ضربت بريطانيا العظمى أيضا، ويعتقد مراقبون عديدون، أن المملكة مقبلة على مصاعب سياسية ربما تفوق أزمتها فى الخروج من الاتحاد الأوروبى، ولعل تصريح الملكة التى نادرا ما تتحدث فى السياسية عن انتقادها للسياسيين وما يحدث فى البلاد، يمثل ملمحا مهما ويعكس حقيقة الموقف فى البلاد، التى تدعى فيها المعارضة لانتخابات مبكرة عاجلة، بينما يتمسك حزب الأغلبية الحاكم بالاستمرار لحين إنجاز سياسته فى الخروج من الاتحاد الأوروبى.
الشاهد أن تقارير عدة بدأت تتسرب مؤخرا من بريطانيا، عن أزمات اقتصادية عنيفة تهدد المملكة فى حال الخروج الخشن من الاتحاد الأوروبى، ونقص فى المواد الغذائية، وتراجع فى مستويات الإنتاج، وهبوط مالى، وخسائر اقتصادية وتجارية عنيفة، وهوما يضيف الزيت على نار الأزمة السياسية المشتعلة أساسا.
المسألة أن الهدوء والتوافق الذى كان يسود المنطقة الأوروبية لم يعد كذلك، لأن الخلافات العميقة بدأت تنهش فى جوانب القارة المختلفة، ومنها مثلا الموقف من إيران، والخلاف البريطانى الفرنسى الألمانى فى هذا الصدد، ومنها الدخول الأمريكى على الخط ودعمه لبريطانيا فى ملف البريكست، وانتقاده الموقف الألمانى الرافض لزيادة حصته فى تمويل الناتو، وتهديد ترامب أنه لن ينفق أموال الأمريكيين على حماية أوروبا، وأنه على أوروبا أن تنفق أموال لحماية بلادها.
والحاصل أن الأزمات المتصاعدة بسبب ملف الهجرة، وزيادة إعداد المهاجرين، واتجاه دول أوروبية عدة، إلى مواقف أكثر تشددا تجاه المهاجرين، القى بالعبء على دول أخرى تنتهج سياسات مختلفة فى التعامل معهم، ووضحت آثار هذه الخلافات وانعكاساتها على اجتماعات الاتحاد الأوروبى المختلفة، بما يشير إلى أن ملف الهجرة سيصبح قريبا جدا من ملفات الأزمات الأوروبية.
الواضح أن القارة العجوز تعانى آثار قصف سياسى واقتصادى ليس بالهين، وأن الأزمات السياسية التى تواجهها ستعمل آثارها فى حالة الاستقرار الذى كان، وستنعكس بالقطع على الكثير من ملفات الصراع فى مناطق مختلفة من العالم.