الإثنين 25 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البشر .. بين الصدق والكذب !

البشر .. بين الصدق والكذب !






نقيضان يحيطان بنا أينما ولَّينا وجوهنا، لاتخلو الحياة من أيهما وموضعهما السلوك البشري، بهما نطلق أحكامنا التقييمية للشخصيات التى نتداخل معها فى تعاملاتنا الحياتية، دومًا الكاذب لايؤتمن، والصادق محط إعجاب الجميع، وعن هاتين الخصلتين الأخلاقيتين توقفت عند حكمة روسية مترجمة تناولتهما فى سطور أطلعكم عليها، تقول الحكمة من خلال واحدة من الأساطير: «التقى الصدق والكذب من غير ميعاد، فنادى الكذب على الصدق قائلا : «اليوم طقس جميل». نظر الصدق حوله، نظر إلى السماء، وكان حقًا الطقس جميلاً.
قضيا معًا بعض الوقت، حتى وصلا إلى بحيرة ماء. أنزل الكذب يده فى الماء ثم نظر إلى الصدق وقال: «الماء دافئ وجيد»، وإذا أردت يمكننا أن نسبح معا؟ وللغرابة كان الكذب محقًا هذه المرة أيضًا، فقد وضع الصدق يده فى الماء ووجده دافئا وجيدًا . قاما بالسباحة بعض الوقت، وفجأة خرج الكذب من الماء، ثم ارتدى ثياب الصدق وولَّى هاربًا واختفى . خرج الصدق من الماء غاضبًا عاريًا، وبدأ يركض فى جميع الاتجاهات بحثًا عن الكذب لاسترداد ملابسه .
العالم الذى رأى الصدق عاريًا أدار نظره من الخجل والعار . أما الصدق المسكين، فمن شدَّة خجله من نظرة الناس إليه عاد إلى البحيرة واختفى هناك إلى الأبد .  ومنذ ذلك الحين يتجوَّل الكذب فى كل العالم لابسًا ثياب الصدق، محققًا كل رغبات العالم، والعالم لا يريد بأى حال أن يرى الصدق عاريًا» .
هل نستطيع دومًا أن نميز الصادق من الكاذب ونمتلك القدرة على الفرز أم أننا نقع فريسة الخداع نتيجة قدرة الكذب على التلون كلسان صاحبه يلبس رداء ليس له؟! فالصدق لايعزو أن يكون محض «قشرة» خارجية يتجمَّل بها الكذَّاب حبكًا لدوره فى خداع الآخرين حتى أقرب الأقربين؛ مثلها مثل المعدن «الفالصو» تماما؛ ينخدع فيه كثيرون ويشترونه على أنه من الذهب الخالص، ولايلبثون أن يكتشفوا زيفه بمرور الوقت بزوال القشرة الخارجية التى طلى بها متنكرًا فى ثوب الذهب.. وهنا تستوقفنا حكمة المصريين فى المثل الشعبى العبقري:  «الكدب مالوش رجلين» ! .
وسؤالى الذى يلح على دومًا: لما كنا جميعنا نعلم علم اليقين قيمة الصدق لم نعط ظهورنا لصفة محمودة ونرمى أخلاقنا فى بئر صفة مذمومة ؟! وهل الكذب منجاة أم الصدق ياقوم؟! لم نختر الطريق المتعرج ونغفل الطريق الممهد المستقيم فى سلوكياتنا ؟! ولم لا نكون محط إعجاب الآخرين بدلا من أن نكون مجال ازدراء ونفور؟!
صدقونى الأمر جد سهل لو اتبعناه؛ فالمجتمعات التى يغلب على شعوبها المصداقية من رأس البلد حتى أخمص قدميها تكون شعوبًا آمنة مستقرة؛ فالصادق تجتمع فيه حزمة من الأخلاق الحميدة يتزعمها هذا الصدق فيرادفه الإخلاص فى العمل وأداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، والأمانة، والصبر على المكاره، والتراحم ،وجبر الخواطر، واللين فى القول، ونظافة اللسان، والأمانة وغيرها.
فلا ندهش حين نجد أن العرب قد أطلقت على رسولنا الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ  من فرط صدقه وأمانته وهو يعلم أنه قدوة فى أخلاقه: «الصادق الأمين».
فمن يروج الشائعات ــ على سبيل المثال ــ يمثل الكذب فى أقبح صوره؛ فهو يكذب على شعب بأكمله، وليس على فرد قد يكتشفها يومًا ويقاطعه، لكن تسرب أخبار من شأنها تعكير السلم العام لمجتمع لهو جريمة شنعاء لاتعادلها جريمة؛ فهو اغتيال للصدق فى أكثر الصور تشويهًا، وما يترتب على ذلك يضع المجتمع فى حالة تربص واستنفار لأمر واهٍ لا يمت للحقيقة بصلة... ولا نملك أمامها سوى ترديد  مسمع مما تغنى به الشيخ إمام: «يعوض الله على الأخلاق.. الناس فى سباق.. على البكش.. والاسترزاق ... امسك يا بوليس»!
لذلك نؤكد دومًا أن تنشئة الأطفال منذ الصغر على قول الصدق وعدم إعطائهم صورًا سلبية بأن ننصحهم بفعل ونأتى نحن كآباء وأمهات أو مربِّين بمثله؛ فيقعون فى حيرة تؤدى إلى اضطراب فى سلوكهم عندما يشبون عن الطوق، لنضع اللبنة والدعامة الأساسية الصحيحة للسلوك القويم الذى سيقوم المجتمع على كتفيه مستقبلاً، لكى نضمن السلامة لبلادنا قدر المستطاع فالأمر فى أيدينا إذا ما اهتممنا بالقواعد التربوية المثالية فى إعداد النشء. فأبناء اليوم .. قادة المستقبل فلنعُدهم كما نريد لمستقبلنا أن يكون ذات يوم.