الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ليون باكست رائد فن التصميم الدرامى

ليون باكست رائد فن التصميم الدرامى






لعل المدرسة الروسية فى الفن متعددة المشارب والمدارس بشكل يصعب معه تلخيص كل المذاهب والتحولات فى هذه المدرسة فكل أقليم فى روسيا التى عرفناها كان له سماته الخاصة فى الفن التشكيلى والذى لم يمنع أن تكون هناك روح عامة تحكم الفن الروسى وتوجهاته فى معظم مراحل القرن العشرين لكننا نستطيع فى بعض الأوقات أن نخصص أسماء جغرافية لمدارس الفن الروسى مثل المدرسة الجورجية ومدرسة سان بيترسبيرج ومدرسة موسكو .. وهكذا،

ومع ذلك التفوق الذى أحرزته المدرسة الروسية فى الفن التشكيلى إلا أننا قد نجد أن الفكرة النوعية تشكل خطًا رئيسيًا فى فترات كثيرة فى الفن الروسى وخصوصًا الفن التشكيلى والفكرة النوعية هنا بمعنى الفن لهدف أو غرض تطبيقى فالفن الروسى كان يخدم المجتمع الروسى بالشكل الأساسى يخدم التعليم المطبوعات الصحافة فى أغلب إنتاجه ولن نعول هنا على الفن الروسى فقط لكن معظم الفن فى أقاليم أوروبا الشرقية كان نوعيًا بشكل أو بآخر أى أن فكرة الفن للفن لم تكن هى المحك الرئيسى كما كانت فى معظم أوروبا التى عرفناها لكن فكرة الفن يخدم المجتمع بشكل عملى كانت أكثر سيطرة على الإنتاج الفنى فى أوائل القرن العشرين وحتى قبيل نهاية الحقبة الشيوعية ومن ثم وجدنا هذه الفكرة التطبيقية عند العديد من عظماء الفن فى هذه الفترة ومن بينهم ليون باكست وعلينا أن نعترف أنه كما استطاع أن يضع الرائع ألفونسو موكا الفنان التشيكى الشهير خلاصة فنه وحداثته فى إعلانات المسارح الباريسية وتصميم الزخارف والموتيفات الزخرفية وكما شكل ستانلين برسوماته تاريخ باريس الدعائى والتجارى فإن ليون باكست وجد ضالته التطبيقية فى تصميم الملابس وخلفيات الأعمال المسرحية والأوبرالية ومن ثم كان أرشيفه فى هذا المجال هو الأرشيف الأقوى والأكثر غزارة وخصوا فى مجال تصميم الملابس التاريخية حيث يستخدم رسوماته ويقتبس منها معظم الذين أرخوا عن الأزياء فى العصور القديمة وأصبح أيضًا مدرسة كبيرة فى التصميم سواء فى ملابس الأعمال المسرحية أو الدرامية عامة كذلك تعتبر أعماله الكثيرة فى المجلات الروسية من أهم الأعمال فى فن التصوير الصحفى والتى أسست لمدارس كبيرة فيما بعد فى روسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا ولعل ما يلفت النظر أن الكثير من المتخصصين لفتوا النظر لباكست لكن التكريم والاهتمام بأعمالة جاء متأخرًا نسيبًا ففى عام 2010 أقام متحف فيكتوريا وألبرت البريطانى الشهير أكبر وأهم المعارض الاستعادية لليون باكست ولاقى إقبالًا قياسيًا حيث بيعت مطبوعات ومستنسخات لأعماله تعدت ملايين الجنيهات الاسترلينى وأصبحت أعمال باكست من الناحية المتحفية تلقى رواجًا منقطع النظير وتسعى متاحف كثيرة من بينها متحف الفن الحديث فى مدريد ومتحف دى أورسى فى باريس لاقتناء أعمال له أو حتى استعارتها وتضع الحكومة الروسية يديها على النصيب الأكبر من أعمال باكست بالإضافة لوجود أعمال كثيرة له فى باريس وفى بالتيمور فى أمريكا .
يعتبر ليون باكسيت من الناحية المدرسية وكما صنف هو نفسه فترة طويلة ضمن مدرسة الواقعية الروسية والتأثيرية التى نشأت أواخر القرن الـ19 وأوئل القرن العشرين وكان على رأسها الثرى الروسى سيرجى دياجليف والذى أسس أشهر الجماعات الفنية فى هذه الفترة وهى جماعة «الباليه الروسى» وهى جماعة فنية تهتم بالفن الأدائى وفن التصوير وتركز على الفكرة النوعية فى الفن وحيث كان ليون باكسيت أحد أبرز فنانيها، لذا نجد أن باكسيت فى بورتريهاته وأعمالة العادية يقع فى منطقة وسطى بين الواقعية والتأثيرية لكن الحقيقة إذا استبعدنا بعض أعماله القليلة جدًا وجدناه فنانًا واقعيًا بحتًا بل ويتبع المدرسة الباريسية فى هذا النوع من إنتاجه لكن دعنا نقول إنه من الناحية الأخرى أى فى إنتاجه النوعى يتبع مدرسة باريسية شهيرة ضمن العديد من الفنانين كان على رأسهم ألفونسو موكا وستانلين والذين كانت لهم توجهات نوعية شديدة الخصوصية والحساسية سواء فى التصوير الإعلانى أو الصحفى أو حتى فى الأليستريشن ودعنا نقول إن هناك سمات واحدة تجمع على الأقل موكا وباكسيت وأول هذه السمات المقاييس والتى تكاد تكون متقاربة لحد كبير وخصوصا فى الجذع والسيقان إذا تكلمنا عن المقاييس الأنثوية والتى تشكل معظم إنتاج الاثنين، السمة الثانية الاتكاء على الزخارف بشكل واضح والميل لاستخدام موتيفات زخرفية فى الملابس وحواشى العمل وهذا يشترك فيه موكا وباكست بالتساوى لكن موكا كان أكثر استخدامًا فى للزخارف فى الخلفيات  السمة الثالثة وهى استخدام الألوان ذات الإيحاء الأوسط أى التى تقع بين الساخن والبارد لمراعة القيمة الإعلانية والتجارية للعمل الفنى ولعل باكست كان أكثر ميلًا للألوان الأساسية بحكم أن أعماله الفنية الهدف منها تصميمى بحت.
ولد «ليب خاييم أزرائيلوفيتش» وهذا اسمه الحقيقى فى جرودنو بأقليم روسيا البيضاء «بيلاروس» فى مايو عام 1866 فى أحد الأسر اليهودية المتوسطة وكانت تجارة والده وجده تتيح له عيشة رغدة كما كان جده يعيش فى سانبيترسبيرج وكانت زيارته لمنزل جده تعطيه إلهامًا من كثرة الأعمال الفنية فى منزل جده ومن ثم أحب الفن وقرر أن يدرس الرسم على الرغم من معارضة أهله لكنه بعد أن أنجز تعليمه الثانوى التحق بأكاديمية سان بيترسبيرج للفنون كطالب غير نظامى لأنه رسب فى امتحان التقدم الرسمى للأكاديمية وأصبح نظاميًا عام 1883 وفى عام 1889 بدأ فى المشاركة بعدة معارض تجارية وهنا اضطر لتغيير اسمه ليأخذ لقب باكست وهو أحد ألقاب أسرة والدته مع تغيير اسمه من ليب خاييم لليون لأن الأسماء اليهودية فى ذلك الوقت كانت تقف حائلًا بين أصحابها وبين نجاحهم التجارى والوظيفى، وبين عامى 1893 و 1897 وككل فنانى هذه الحقبة ذهب لباريس حتى يجرب حظه وهناك التحق بأكاديمية سان جوليان الشهيرة وحينما عاد للروسيا انضم لجماعة الباليه الروسى التى كما أسلفنا كانت قد أسسها الثرى الروسى سيرجى دياجليف وبدأت أعماله فى شهرة مطردة وخصوصًا تصميماته الشهيرة للأعمال الدرامية الملابس والخلفيات، وكان أحد أسباب شهرته أيضًا بورتريهاته الشهيرة لفيليب ماليفان و وفاسيلى روزانوف وغيرهم كثيرين كما كان معلم رسم لأبناء الدوق الروسى فلاديمير الكسندروفيتش.
عمل فى عدة دوريات صحفية شهيرة كرسام وكان ذلك إبان ثورة 1905 ومن بينها زوبل وساتريكون، رحل إلى أمريكا فى عام 1920 بدعوة من أليس جاريت التى تعرف عليها فى باريس وقام هناك بأعمال الرسم فى إيفرجرين هاوس فى بالتيمور وأقام معرضه الشهير هناك وفى عام 1924 أصابه مرض القصور الرئوى الذى أصاب الكثير من الفنانين وظل يعالج فى مصحة فى ضواحى باريس حتى مات فى ديسمبر 1924 ودفن فى مقبرة دى باتونيلل.