
صبحى شبانة
قدسية التعليم وخطر الشائعات
الوعى المجتمعى عنوان التقدم، به تنهض الأمم، وبدونه تتخلف، قدسية الوعى فى ظنى تعادل قدسية الدين، فالأديان إنما جاءت لإعلاء قيم الوعى، وتحسين حياة الناس، وهذه هى وظيفة التعليم، فبالتعليم الجاد يزداد الوعى، وتتحول حياة الناس وتتبدل، للتعليم لدى المصريين أهمية وقيمة كبرى لكنها وبكل أسف مبددة، فمعظم خريجينا على مختلف المستويات يعانون من جهالة وأمية لا تحتاج إلى تبرير، فمعظمهم لايجد له مكانًا مناسبًا أو لائقًا فى أسواق العمل سواء فى الداخل أو فى الخارج، على المصريين أن يقفوا خلف خطط الدولة لتطوير التعليم إذا كانت لديهم الرغبة الجادة فى تحصين أجيالهم ضد كل من الشائعات والتطرف والجهالة، إذا كانت لديهم الرغبة الجادة فى العبور إلى المستقبل.
إن الجهل بمفهومه الحديث يتجاوز بكثير مفهوم الأمية التى كنا عليها فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، فبرغم تزايد أعداد الخريجين من المدارس والجامعات إلا أن نسب الأمية لا تزال مرتفعة فوفقًا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء للعام 2018، بلغ عدد الأميين (الذين لايجيدون القراءة والكتابة) فى مصر أكثر من 20 مليون نسمة، وهى نسبة كبيرة ومعوقة لخطط التنمية المستدامة، وبيئة خصبة لنمو الشائعات، ومعاول هدم تستخدمها الجماعات الإرهابية التى تجد فيهم أرضًا خصبة لبث وتغذية أفكارها الهدامة.
المنطق يقول بأن أعداد الجهلة يفوق بكثير أعداد الأمية بسبب تردى مستويات العملية التعليمية خلال العقود الماضية التى خضعت لتجارب فى أغلبها فاشلة ولا تتسق مع النماذج التعليمية العالمية الناجحة، إلا ربما من حيث الشكل لا المضمون، لذا لاغرابة فى أن نرى خريجى جامعات وربما أعدادًا منهم ليست بقليلة ممن حصلوا على درجات أعلى من ذلك على مستويات مزرية تدعو للشفقة والترحم على مدارسنا وجامعاتنا فى ذاك الزمن الذى كان فيه للتعليم قدسيته وللمدرس هيبته واحترامه.
لذا فإن تطوير هياكل العملية التعليمية التى يقودها وزير التعليم الحالى الدكتور طارق شوقى وتقف خلفها الدولة بكل إمكانياتها وقدراتها ضرورة حتمية إذا أردنا أن نلحق بعصر تجاوزنا، وتخلفنا عنه بسنوات ضوئية، لا يجب الالتفات إلى المعوقات من النمطيين الذين يتمرسون عادة فى مواجهة التغيير والتحديث والتجديد، فأهمية التعليم تفوق ما سواه إذا أردنا تنشئة أجيال قادرة على معايشة المستقبل، ومواجهة التحديات المقبلة وهى لو تعلمون كبيرة، إن المشاكل التى تواجهها مصر حاليا ناتجة عن سوء وتردى العملية التعليمية، وتراخى الدولة فى مواجهة أباطرة التعليم من المدرسين والمنتفعين من تردى التعليم فى جميع مراحله.
لا شك أن تردى مستوى التعليم هو السبب المباشر فى فوضى الشائعات التى تملأ ساحات التواصل الاجتماعى، إن تردى مستوى التعليم هو السبب المباشر فى فوضى الألقاب التى يسبغها غير المؤهلين لها على أنفسهم، مما يقلل حتما من مستوى عدد من المهن التى حافظت على أهميتها وكينونتها، وهو ما يحدث خلطا وتشويها لقيمة التعليم الجاد.
آن للدولة بجميع هياكلها وأجهزتها أن تعيد للتعليم قدسيته ولمخرجاتها مكانتها ورونقها.