أيمن عبد المجيد
دولة القانون والإصلاح السياسى
لا يمكن تحليل الانتخابات البرلمانية، بمعزل عن محددات رئيسية، وما تشهده الدولة المصرية من إصلاح يستهدف تعزيز قدرتها الشاملة، وما واجه تنمية قواها المكونة لتلك القدرة من تحديات متراكمة منذ عقود.
تشمل القدرة الشاملة للدولة، موقعها الجغرافى، حال استثماره الأمثل وحمايته، وقوتها الدبلوماسية التى تنعكس على نفوذها السياسى، وقوتها الاقتصادية، والدفاعية، والحضارية، والبشرية التى تتحول إلى ثروة بالعلم والعمل والإنتاج وعبء حال تفشى الفقر والجهل.
المدقق يلحظ أن قوى الدولة المصرية، شهدت منذ العام 2014 إصلاحات جذرية، ضاعفت من القدرة الشاملة للدولة، بخريطة جديدة، فى كل المكونات، تسير بخطى ثابتة نحو هدف بناء دولة عصرية حديثة، نموها مستدام بمعدلات تفوق المخاطر والتحديات، لتتبوأ مكانتها التى تليق بها، وتحقق الرفاهية لشعبها الذى قدم الكثير من التضحيات.
من التنمية فى سيناء شرقًا إلى محطة الطاقة النووية فى الضبعة غربًا، ومن القضاء على عشوائيات العمران، إلى مواجهة عشوائيات الفكر، والقضاء على الإرهاب، ومن مضاعفة رقعة العمران وحل أزمات التكدس جذريًا بعاصمة إدارية جديدة، 14 مدينة ذكية، إلى مضاعفة الرقعة الزراعية، وتنويع مصادر الطاقة والقدرة الإنتاجية، إلى شبكة الطرق والموانئ والمناطق الصناعية، جميعها إصلاحات تحققت وواجهت تحديات.
انعكس نمو القدرة الشاملة للدولة، على قدراتها الدفاعية، ونفوذها السياسى المتنامى، الذى حمى ويحمى محددات الأمن القومى، فتضع خطوطها الحمراء التى لا يمكن لأى قوى تجاوزها.. الخط الأحمر فى سرت الجفرة، ثم رفض وإحباط مخطط تهجير الأشقاء الفلسطينيين نموذجًا، وما شهدته شرم الشيخ من مؤتمر عالمى للسلام، يعكس تلك القدرة، وصولًا لتنمية القدرة الحضارية بإنجاز المتحف المصرى الكبير.
فى كل ملفات الإصلاح كانت الإرادة السياسية هى قوة الدفع الأولى، ووعى المواطن هو العنصر الأهم لتحقيق النجاح، وكانت هناك جبال من التحديات المتراكمة منذ عقود، يضاف إليها تحدبات فرضتها مستجدات الواقع، لكن بالإرادة والعمل الجاد تحولت المحن إلى منح بتوفيق الله.
الإصلاح السياسى الداخلى، أحد أخطر الملفات، لتراكم تحدياته، وتداخل مؤثراته، وتشابك مكوناته، فعلى سبيل المثال مجلس النواب يأتى بانتخابات تحكمها عوامل عدة، من وعى الناخب بأهمية المشاركة، ودقة الاختيار، إلى طبيعة المتنافسين وقدرات المرشحين، والقوى الحزبية، وأمراض الانتخابات البرلمانية المتوارثة، ويمكن تحليل الانتخابات من عدة محددات.

أولًا: الإرادة السياسية للإصلاح السياسى متحققة، بالحرص على تعزيز قدرة المؤسسات والفصل بين السلطات، والحوار الوطنى، وصولًا إلى دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى التاريخية، لحماية إرادة الناخبين ليأتى أعضاء البرلمان معبرين بصدق عن إرادة ناخبيهم.
ثانيًا: البنية الدستورية والتشريعية متحققة، لإدارة مستقلة قامت بها بحرفية الهيئة الوطنية للانتخابات برئاسة القاضى الجليل حازم بدوى، والتى فحصت تظلمات المرحلة الأولى وانتهت إلى بطلان انتخابات 19 دائرة، وتفاعلت باستجابات سريعة مع كل ما وردها من شكاوى بالمرحلة الثانية، مع شفافية تامة فى كل الإجراءات، من الاقتراع إلى الفرز وإعلان اللجان العامة للحصر العددى.
ثالثًا: البيئة الداعمة والحاضنة مؤسسيًا:
تتطلب الانتخابات تجهيزات لوجيستية من المقار الانتخابية إلى حماية وتأمين العملية الانتخابية والمتنافسين والناخبين، وأوراق الاقتراع إلى إعلان النتايج.
لقد نجحت مؤسسات الدولة فى تقديم كل الدعم اللوجيستى للهيئة الوطنية للانتخابات لأداء دورها، من السلطات المحلية التى جهزت المقار الانتخابية، وأعضاء هيئتى قضايا الدولة والنيابة الإدارية المشرفين على الانتخابات، إلى أجهزة الدولة والشرطة المصرية التى أمنت جميع المراحل من التنافس والمؤتمرات الانتخابية للمرشحين، إلى تأمين الناخبين والمقار ولجان الفرز وحتى إعلان اللجان العامة الحصر العددى.
كان دور الهيئة الوطنية للانتخابات بالغ الوضوح، فى إدارتها للمرحلة الثانية والاستجابات السريعة للشكاوى وإزالتها خلال يومى الاقتراع ومواصلتها مؤتمراتها المعلنة بنهاية كل يوم اقتراع لإعلان رؤساء اللجان تقاريرهم بشأن مجريات اليوم الانتخابى والرد على الشكاوى وما تم من إجراءات حيالها، فضلًا عن رصد الداخلية والاستجابة السريعة لما يرد من بلاغات بشأن خروقات أو جرائم خارج إطار الحرم الانتخابى.
رابعًا: مكونات العملية الانتخابية الحاسمة ودلالاتها:
1 - جغرافيا الدوائر:
أجريت المرحلة الثانية فى 13 محافظة بـ 73 دائرة انتخابية، القاهرة 19 دائرة فردية، وعدد المقيدين 8,6 مليون تقريبًا، وأقلها السويس دائرة واحدة انتخابية فردية ومقيد فى جداول الناخبين 104.3 ألف ناخب.
2 - المرشحون:
عدد المتنافسين على مقاعد المرحلة الثانية 1316 مرشحًا على المقاعد الفردية 142 مقعدا بمتوسط 9 متنافسين على كل مقعد أغلبهم مستقلون وعدد من المتنافسين بصفة حزبية.
3 - الناخبون:
عدد من يحق لهم التصويت نحو 34,6 مليون، بمتوسط 243 ألف ناخب لكل مقعد.
وبتحليل تلك المكونات فى ضوء العامل الأساسى البيئة الحاضنة نكتشف:
أ_ أن التطور الديمقراطى وتحقيق الإصلاح المنشود، مسئولية جماعية مشتركة، تبدأ بالإرادة السياسية وهى متحققة ومعلنة من رأس الدولة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتضمنها بنية دستورية وتشريعية تحرسها وتنفذها الهيئة الوطنية للانتخابات.
ب- دلالات جغرافيا الدوائر:
■ الدوائر الفردية تتطلب، مرشحا قادرا على التحرك فى نطاق جغرافى واسع ومخاطبة كتل تصويتية تصل إلى نصف مليون ناخب فى الدائرة التى تمثل بمقعدين فردى على الأقل، ومن ثم لا يكون من المنطقى أن يتوقع مرشح وجوده بالدائرة سابق بأشهر على فتح باب الترشيح أن يحقق هدف الوصول والإقناع لناخبيه فى شهر من تقديم طلب الترشح إلى الاقتراع.
■ يجب على راغبى المنافسة الحقيقية الحضور على الأرض في دوائرهم قبل سنوات من الترشح الفعلى، للتفاعل مع الجماهير وبناء أرضية تمكنهم من تحفيز الناخبين على المشاركة والتصويت لهم.
■ وفى ذات السياق تتطلب مساحات الدوائر الفردية مراجعة، لتمكين الكوادر السياسية الفاعلة من المنافسة للحد من تأثيرات متغير القدرة المالية، فى حسم المنافسة لصالح الأثرياء.
ب- المرشحون:
■ فى المرحلة الثانية متوسط 9 مرشحين على كل مقعد، ومن ثم بافتراض أن ثلاثة منهم لديهم قوة نسبية على الأرض، فإن هذا يجعل النتائج النهائية تتجه إلى جولة إعادة بين مرشحين ضعف عدد المقاعد الحاصلين على أعلى الأصوات دون الـ50% + 1 من إجمالى الأصوات الصحيحة.
■ تشديد الهيئة الوطنية للانتخابات التأكيد على الالتزام بالضوابط ومواجهة التجاوزات، ومراقبة حجم الإنفاق على الدعاية، ورسالة السيد الرئيس المطمئنة للمرشحين والمحفزة للناخبين للحفاظ على إرادتهم الحرة، أسهمت فى تعبير أكثر دقة عن إرادة الناخبين يظهر فى نجاح منافسين حملاتهم الانتخابية لم تتجاوز تواصلهم الشخصى مع ناخبيهم، وتنوع فى مؤشرات الحصر العددى بين المستقلين وأصحاب الصفة الحزبية، بمختلف الانتماءات السياسية، الأقرب إلى جولة الإعادة.
ج- الناخبون:
المواطن أهم عناصر العملية الانتخابية، إرادته ووعيه هما العامل الحاسم، وهو من يستفيد من دقة اختياره أو خطأه، ولا شك أن هناك من المرشحين من يسعى للسطو على الإرادة سواء بوعود كاذبة، أو استغلال حاجة بعض البسطاء وضعف وعيهم، لكن الحقيقة أن القطاع الأكبر لديه وعى، ومن ثم فهو مسئول عن إعاقة التحول الديمقراطى عندما يجلس فى بيته ولا ينزل للمشاركة والإدلاء بصوته.
ببساطة عندما تشارك الكتلة الأكبر الواعية بصوتها وتختار من تراه الأفضل، ينحسر تأثير الكتلة الصغيرة التى يتم خداعها من غير المستحقين للمقاعد، ومن ثم فإن إجراءات ردع المخالفات من جانب، وتعزيز الوعى لدى المواطن بأهمية المشاركة تدريجيًا يسهم فى تحقيق الإصلاح المنشود.
وهنا أقترح تدريس مادة «أ-ب سياسة»، من المراحل الأولى بالتعليم الأساسى إلى الجامعى وفق المستوى الإدراكى لكل مرحلة تعليمية، لبناء وعى وثقافة وبناء معرفى بأهمية المشاركة السياسية لدى الأجيال المقبلة، مع وضع استراتيجيات إعلامية وتثقيفية تتكاتف لتنفيذها مؤسسات الدولة المصرية لتوعية وتثقيف سياسى للمواطنين وخاصة البسطاء الذين يستهدفهم لصوص الإرادة.
لا شك أن إرادة المواطنين فى حماية دولة القانون، ومصر بإذن الله إلى تقدم، وما يتحقق من إصلاحات ديمقراطية بإرادة سياسية يعزز من قوة مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها المؤسسات التشريعية بما ينعكس تأثيره في قوة الجبهة الداخلية.
حفظ الله مصر وشعبها






