الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بالتفاصيل مخطط إرباك الدولة والسطو على الشرعية الشعبية والدستورية الطابـور السـادس

بالتفاصيل مخطط إرباك الدولة والسطو على الشرعية الشعبية والدستورية الطابـور السـادس






فى يناير ٢٠١١ خرج الجيش من ثكناته منحازًا للجماهير، الانحياز كان بنية منعقدة وليس خيارًا موائمًا لما ستفرزه الحركة على الأرض. منذ البداية كان الجيش يدرك هدفه، كان مصرًا على «الحماية» وليس «السياسة».
وفِى ٣٠ يونيو كان فعل الاستدعاء الشعبى هو الدافع لخروج الجيش مرة أخرى.
حالة وجد ما بين شعب وجيشه ممتدة فى المسافة ما بين الحماية والاستدعاء، حالة فريدة تصل فى بعض أحيانها إلى نشوة الاستقواء بهذا الجيش.
 عودة لتلك الأيام السابقة لثورة يونيو ،كانت كتائب الإخوان الإرهابية تتوعد بسحق وقتل الشعب المصرى، لكن هذا الشعب أصر على الخروج الهادر برصيد ثقة لا نهائى فى قواته المسلحة، لم تروعه حينها تهديدات العصابات المسلحة. هنا أسئلة تطرح نفسها: ماذا لو أن هذا الشعب قد ابتلى بجيش طائفى؟ ماذا لو أن هذا الجيش قادر على الانفصال بمصالحه عن الدولة؟ ماذا لو أن هذا الجيش مارس ترفعًا عن المواجهة بين شعب أعزل وتنظيم عصابى مسلح؟!

■ سيقولون لقد مارس دوره المنوط دستوريًا.. هنا بيت القصيد، لقد مارس بالفعل دوره الأصيل من داخل دستور الدولة باعتباره مؤسسة خاضعة لهذه الدولة وليست مستعلية عليها أو ندًا لها.

 واقع اللحظة الثورية للثلاثين من يونيو يقول إن عملية الخروج المطمئن ارتكزت على رصيد ثقة لا نهائى فى وطنية الجيش وفِى قدراته وانحيازه المحسوم لإرادة الشعب أيًا كانت، مع تحمله مسئولية إنفاذ هذه الإرادة دون المساس بثوابت الأمن القومى وكيان الدولة، وإلا لما كان محمد مرسى العياط قد وصل إلى الحكم!

ولما جاءت استجابة الجيش مرة أخرى لنداء المصريين تأكد التنظيم الدولى أن حائط الصد المنيع أمام أحلامه لغزو واحتلال إرادة المصريين هو الجيش المصرى،  وبالتالى أصبح استهداف الجيش استراتيجية تنظيمية مستدامة.
الاستهداف التنظيمى رسم مساراته المتعددة على النحو التالى:
■ الطعن فى شخص الرئيس المنتخب ذى الخلفية العسكرية بهدف إفشاله من أجل إيصال رسالة أن هذا هو المنتج الفكرى والقيادى للمؤسسة العسكرية.
■  إعادة استنساخ الحالة الإخوانية التى أثبتت أن مرسى لم يكن رئيسًا لكل المصريين بل رئيسًا لأهله وعشيرته، وأن السيسى يعيد التجربة من منظور عسكرى باعتباره رئيسًا لمؤسسته العسكرية وليس لكل المصريين.
■ ترسيخ قناعة شعبية بأن الرئيس لديه منهج ثابت لاسترضاء الجيش على حساب الثوابت القانونية والدستورية.
الهدف العام هنا هو الطعن المزدوج فى شرعية الرئيس وشرعية الجيش بتصدير صورة للرأى العام بأن الرئيس لم يعد مرتكزًا على شرعيته الدستورية القانونية التى مورست عمليًا بقوة الإرادة الشعبية التصويتية، بل أصبح مرتكزًا على شرعية القوة العسكرية أى شرعية الأمر الواقع، وأن الجيش يحمى الرئيس ليس من أجل حماية الشرعية الدستورية بل من أجل حماية مصالحه وحماية من يضمن استمرارها!

 منذ هذه اللحظة هناك من أدرك أن العلاقة بين الشعب المصرى وجيشه هى علاقة وجود تبادلية، فالشعب يستمد قوته من جيشه بينما يستمد الجيش شرعية حركته من إرادة شعبه.

علاقة الارتباط الوجودى خلقت قاعدة غاية فى الصلابة استطاعت تثبيت أركان الدولة المصرية فى مواجهة أقسى الظروف.
قاعدة ارتكاز الدولة المصرية على حامليها الرئيسيين «الجيش والشعب» أصبحت هدفًا ثابتًا لمنصات الهجوم المتواصل على الدولة المصرية التى استخدمت كل وسائل الإعلام والتمويل والاختراق وتحريض الطابور الخامس، من أجل تفتيت صلابة هذه القاعدة دون جدوى.
بعد الفشل فى عملية التفتيت بدأت الآن فى تكتيك آخر يعتمد على التفكيك. هنا بدأت مرحلة جديدة بعنوان «التفتيت بالتفكيك». أى تفكيك الروابط الممتدة بين حاملى القاعدة «الجيش والشعب». عملية التفكيك يجب أن تتم ذاتيًا بتحريك الشعب فى مسارات اختيار إجبارية كما لو كان المستهدف هو خلق «طابور سادس» يمارس المقاومة الشعبية فى مواجهة جيشه الوطنى!
 تكتيك «الطابور السادس» يسبقه تمهيد لأرض الاصطفاف، يعتمد على عملية استدراج للجيش من الثكنات إلى ميادين السياسة، ليس من أجل إقحام الجيش فى السياسة بل من أجل توريطه فى قواعد لعبة جديدة لا يعرفها انضباطه، لإنتاج مشهد نهائى - يتم تصنيعه-  يصور الجيش ليس مترفعًا عن العمل السياسى بل مهزومًا فى ميادينه ومنسحبًا إلى ثكناته هربًا من مواجهات السياسة.

 المستهدف هنا هو ربط الجيش بأى فكرة للهزيمة، أى تصويره عائدًا إلى ثكناته متقهقرًا بعد فشل وليس مبادرًا بعدما أتم مهمته المؤقتة فى الحماية.

عملية التمهيد الموجهة والممولة ترتكز على ما يلى:
■ تصوير الجيش باعتباره ندًا سياسيًا للدولة المدنية وليس مؤسسة منضوية تحت بنيانها الدستورى.
■ تصوير الجيش باعتباره مؤسسة تتعمد الظهور بمظهر عدم الخضوع للقانون.
■ تصوير أفراد الجيش باعتبارهم يمارسون استعلاء وعنصرية عسكرية.
■ تصوير الجيش باعتباره يمارس عملية مَنّ وأذى تجاه الشعب الذى يحميه.
■ تصوير الجيش باعتباره مؤسسة فوق الرقابة والمحاسبة.
■ تصوير الجيش باعتباره منافسًا فى ميادين العمل المدنى بصلاحيات ومزايا يحرم منها منافسه غير العسكرى.
■ عملية التصوير تهدف لخلق موجات استفزاز من أجل إنتاج غضب شعبى يعتقد فى أن مواجهة الجيش عمل سياسى مباح.

 مجموعات «الطابور السادس» الموكل لها تلك المهمة القذرة لن تُمارس عملًا سريًا كما مارسته مجموعات «الطابور الخامس»، إنما ستمارس عملًا معلنًا بل ستنشره وتبشر به على الأرض وعلى منصات التواصل الاجتماعى.

العمل المعلن سيتم تحويله إلى منهج سياسى وأيديولوجية فكرية ترتكز على التحول بمفهوم الدولة المدنية من دولة القانون والدستور إلى دولة مواجهة الزحف العسكرى نحو السياسة والاقتصاد.
«الطابور السادس» سيستخدم مفردات السياسة المركبة من أجل إبهار الأتباع والمريدين، فى الوقت الذى سيروج فيه بلا هوادة بأن الانضباط العسكرى ما هو إلا وسيلة لتحجيم القدرات العقلية وكبت طاقات التفكير والإبداع، أى أن حركة هذا الطابور ستتجه نحو الترويج لدعوات الانفتاح فى مواجهة الانغلاق المزعوم.

 الأمر يتعلق بصدام المصالح الذى يتجلى بوضوح بين رجال أعمال تحولوا لمراكز قوى بعدما تسلحوا بالقنوات والصحف وحصلوا أيام مبارك على جميع التسهيلات والقروض والأراضى والمنح والإعفاءات الضريبية فلم يقدموا زراعة ولا أقاموا صناعة. ساهموا فى تطور السلوك الاستهلاكى لدى المواطن وأوهموه بحلم الثراء السريع، ثم راحوا يحرضون ضد النظام الذى راكموا الثروات فى سنوات حكمه بعدما تورطت صحفهم وقنواتهم فى أجندات أجنبية واتسعت اتصالاتهم بالسفارات المجاورة والبعيدة.

استولوا على أموال الشعب وتاجروا فى قوته ومستقبله وصحته ثم وجدوا الجيش المصرى أمامهم يمارس دوره المدنى بقواعد الانضباط العسكرى فتبددت أحلامهم فى استكمال الإثراء بلا سبب بعدما قرر الجيش المصرى إعادة استثمار الفرص والموارد التى أضاعوها لسنوات طويلة.
عملية استدراج الجيش المصرى إلى مساحة بيزنسهم غير الشريف تتم على قدم وساق، فى صراع معلن بين جيش وطنى ينجز ويبنى ويحفظ المال العام ويعيد تقديمه لشعب يثق فى جيشه، ولوبى من رجال الأعمال يتعامل مع الوطن ومقدراته باعتباره تركة لا تنضب وتتوارثها الأجيال المتعاقبة لعائلات معروفة، تلك العائلات والشبكات تتطابق أجندتهم مع قوى غربية أطلقت أذنابها وجيشها الجرار من الخونة الذين استطاعت تجنيدهم فى حملة الهجوم والسخرية من الجيش ومن ثم محاولة تصغيره فى عيون شعبه.

 إذا كانت التجربة العملية تثبت أن حركة الجيش لتأمين المسارات القانونية والدستورية للممارسة السياسية تستمد شرعيتها من إرادة الشعب الذى يستدعى هذه الحركة لحماية اختياراته، فإن الهدف يكون هو عزل الجيش عن مصدر شرعيته الرئيسى لدفعه للانسحاب إجرائياً وبالتالى إفقاده قيمة وجوده فى حياة المواطن صاحب الشرعية، أو إظهاره بمظهر المتحرك الفاعل فى مساحات ما فوق شرعية الدولة.

المقصود هنا إحداث فهم معكوس أى أنه بدلًا من إقرار حقيقة أن الشعب يستقوى بجيشه فإنه يتم ترسيخ مفهوم أن الجيش يستخدم شعبه من أجل تحقيق مآربه السياسية.
استمرار هذه الحالة سيؤدى إلى ترسيخ مفهوم يخالف المنطق بل الدستور بأن الالتحاق بالمؤسسة العسكرية هو مسوغ للحرمان من ممارسة الحق السياسى ولو بشكل شخصى بعد انتهاء العلاقة الوظيفية.
لذلك سيتم التضخيم لمصطلح الخلفية السياسية باعتبارها نقيصة سياسية تناقض الديمقراطية وليست ميزة نسبية قد تمثل قيمة مضافة لرصيد خبرات تراكمية.

 سنكون إذن أمام مجموعات للطابور السادس تتخذ من شعارات المدنية عنوانًا لتحركاتها وستحرص على الاندماج المجتمعى بهدف تطبيع حركتها المعلنة، لإظهار نوع من المعارضة الاجتماعية لفكرة وجود الجيش فى المشهد السياسى.

حركة الطابور السادس ستستهدف عزل الجيش عن ظهيره الاجتماعى من خلال ما يلى:
■ إظهار الجيش باعتباره فئة مميزة لها مصالح مختلفة عن مصالح المجتمع.
■ إظهار الجيش باعتباره يمارس سلطات الملكية على الدولة.
■ إظهار الجيش لا يمارس الاستعلاء على المجتمع فحسب بل يمارس استعلاء على مؤسسات الدولة الرسمية وعلى الأجهزة الحساسة والمؤثرة.
 عملية الطابور السادس ستكون  أشبه بحملات التجنيد التدريجى التخديرى للمنخدعين بشعارات هذا الطابور الذى سيترك من تم تجنيدهم بعد إتمام عملية العزل وبعد أن تكون مساحات الجفاء قد أصبحت شاسعة بين الشعب وجيشه، خاصة لأن الجيش سيستوعب ما يحدث ويعود إلى ثكناته لكن عملية استدعائه مرة أخرى لن تكون متاحة بسهولة لأن ظروف الاستدعاء ومساراته قد تم العبث بها وتغيير خارطتها.

 الهدف العام لهذا المخطط هو ممارسة ضغوط اجتماعية منظمة على المؤسسة العسكرية لدفعها نحو التقهقر التدريجى دون وجود لأى تقدم مدنى نحو المساحات المجتمعية التى سيتم إخلاؤها والتى كان الجيش قد ارتكز عليها ليس بهدف السيطرة بل بهدف تقديم الخدمة المجتمعية التى تمثلت فى الآتى:

■ معارض للسلع منخفضة الأسعار بكل المحافظات.
■ إنجاز المشروعات القومية فى مجالات الطرق والإسكان وتوفير مخزون السلع الاستراتيجية.
■ إنجاز مشروعات البنية التحتية.
■ إنجاز عمليات الإغاثة والإنقاذ خلال الكوارث كما حدث فى زلزال عام ٩٢ وسيول درنكة عام ٩٤.
■ الإدارة الرشيدة لمستلزمات الأمن الغذائى.
■ إعادة إعمار سيناء وربطها بالوادى.
بهذه المفردات كان الجيش المصرى متواجدًا فى المساحات الاجتماعية التى سيحرص الطابور السادس على تسييسها  ثم مطالبة الجيش بإخلائها.

 بعد عملية العبث فى الشرعية الدستورية التى تحكم العلاقة بين الرئيس والجيش وبالتالى زعزعة شرعيتهما معًا أمام المواطن صاحب الإرادة الفعلية، ستبدأ مرحلة جديدة باسم مرحلة «عزل الكتل المترابطة» من خلال مسار ثلاثى:

■ عزل الرئيس عن الشعب باستخدام ضغوط الإصلاح الاقتصادى واتهامات الفساد والإهدار العشوائية.
■ عزل الشعب عن الجيش بتصويره قد أصبح منافسًا اقتصاديًا له ومحتكرًا لمصادر الثروة وفارضًا للوصاية السياسية.
■ العزل ما بين الرئيس والجيش بتصويرهما وقد أصبح كلاهما عبئًا سياسيًا على الآخر.

 بأعلى نقطة فى العقل المصرى، فى منتصف القلب، يتمركز الجيش المصرى بعطاءاته قبل تشكيلاته، الطابور السادس والذين معه عليهم أن يدركوا أن الطرق لمخططاتهم المشبوهة ليست ممهدة، عليهم أن يدركوا أن المسير إلى ذهنية المصرى الكيس الفطن مليئة بمحطات الوطنية المصنوعة بالشراكة الوجودية بين الشعب وجيشه ورئيسه.

من أعماق صلابة قوته تجد هذا الجيش رحيمًا بالمصريين يخفض لهم جناح الذل من المحبة والرحمة والعطاء.
الجيش المصرى ليس تشكيلات عسكرية بل حاضنة اجتماعية تضم تنوعات المجتمع المصرى الغنية، جميعها مصطفة فى الطابور الأول عنوانًا لكتلة الوطنية الصلبة المحفوظة لدى الحارس الأمين «عبدالفتاح السيسى».