نبت.. سيدة القضاء الفرعونية
ما أروع أن تنتسب لأول دولة فى التاريخ، مصر الفرعونية التى علمت العالم كل شىء، لدرجة أن العالم صار محتارا فى كثير من الأمور ويتساءل كيف فعل الفراعنة كل تلك الحضارة التى بهرت الدنيا كلها وبهرت العالم بنظامها السياسى والقضائى الذى سبق ما قدم فى دستور 2012 بسبعة آلاف عام ولم لا؟ فقد سبق الفراعنة كل دساتير العالم القديم والحديث فى نظامه القضائى الذى نص مثلا على محاكمة الوزراء وزوجات الملوك والأمراء وأبناء الملوك إذا تجاوزوا أو ارتكبوا أى جرائم ومثال ذلك ابن الملك رمسيس الثالث بنتاور والملكة تى زوجة الملك رمسيس الثالث. . أليس بجدير بمصر الفرعونية أن تعود سبعة آلاف عام للوراء لكى تقدر نساءها وقضاءها الشامخ الذى كان له استقلاله الخاص، والجدير أن الفراعنة عرفوا التنحى عن بعض القضايا حال استشعار الحرج مثل القاضية نبت التى تنحت عن محاكمة زوجة الملك بيبى الأول لأنها استشعرت الحرج نظرا لقرابة ما بينها وبين الملك.
تدور أحداث محاكمة زوجة الملك بيبى الأول من خلال رواية «نبت.. سيدة القضاء» للكاتبة هالة مصطفى محمد الصادرة عن سلسلة دار الهلال للروايات التاريخية برئاسة الكاتب محمد الشافعى الذى يؤكد أن التاريخ المصرى القديم مازال قادرا على إبهارنا بذلك العطاء النبيل الذى بذله المصريون فى كل مجالات الحياة مما جعلهم كما ذكر العلامة « بريستد» صناع فجر التاريخ ومما جعلهم أيضا يتربعون دوما على قمة الخلود فى كل الأزمنة والعصور، وقد سبق للكاتبة هالة مصطفى محمد أن قدمت ثلاث روايات تاريخية من تلك السلسلة وهى «تى.. المؤامرة الكبرى وخنت كاوس الهرم الرابع وتيتى شرى بنت الشعب» والملاحظ أن الكاتبة تركز فى أعمالها الفرعونية على المرأة الفرعونية وقيمتها وقدرتها ودورها فى الحياة العامة والحياة السياسية والحياة الملكية فى مصر القديمة ويبدو أن الكاتبة لديها مشروع صغير تركز لانجازه من خلال السلسلة المهمة التى تصدرها دار الهلال والتى يجب أن تقف معها الكثير من المؤسسات التى تهتم بحضارة مصر مثل التربية والتعليم ووزارة الثقافة ووزارة الآثار قبل الجميع.
لم يكن الدخول لشخصية القاضية نبت دخولا تاريخيا تقليديا ولكنه من خلال الحاضر المتسق مع التاريخ والعاشق له وذلك من خلال شخصية زهرة مدرسة التاريخ العاشقة لتلك المادة التى تمثل العمود الفقرى للمصريين الذين يصدرون التاريخ للدنيا مع عدد من حضارات الدنيا القديمة فى اليمن والصين والعراق والهند . استخدمت الكاتبة شخصية زهرة كى تدخل لعالم القاضية نبت ولم لا وزهرة الإنسانة المجتهدة التى لم تأخذ حقها، فقد كان يجب أن تعين معيدة بقسم التاريخ ولكن الفساد الذى استوطن مصر فى السنين العجاف السابقة جعلها تفقد حقها وتجد نفسها فى النهاية معلمة تاريخ فى مدرسة للبنات،ولكنها المصرية صاحبة التاريخ تجد نفسها حتى فى هذه المدرسة،و تؤلف مسرحيات للطالبات عن تاريخنا الذى أنصف المرأة وجعلها ملكة ووزيرة ومعلمة وطبيبة، دخلت الكاتبة للتاريخ من خلال المتحف المصرى وأثناء زيارة الفصل الذى قدم المسرحية الفرعونية وأجاد فيها فكانت المكافأة زيارة المتحف المصرى ودخلت الكاتبة لروايتها تيتى شرى من نفس الباب ومن تلك العلاقة التى ربطت بين نفس الشخصية «زهرة» وبين الخنساء وتيتى شرى.
وتختار الكاتبة هالة مصطفى محمد الدخول لهذا التاريخ من خلال شخصية مصطفى، المعلم زميل زهرة الذى يكره مادة التاريخ ويقف ضد زهرة معلمة التاريخ التى تعشقه والتى أعدت مسرحية عن نبت سيدة القضاء فى الفراعنة لكنه لم يحضر المسرحية وتعد الكاتبة له مفارقة تعاقبه حين تجعلة يأتى إلى المتحف المصرى ليقابل قدره المحتوم مع ماعت ربة العدالة فتأخذه فى رحلة يشاهد فيها نظام القضاء فى مصر القديمة والغريب أن تضعه فى آتون الأحداث رغم أنه عدو المرأة وكأنها تود أن تعلمه درسا عمليا حين يتعرف بنفسه على المرأة المصرية القديمة، وتقدم له قضية بين زوجين، تريد الزوجة أن تطلق من زوجها لخلاف ويشعر مصطفى أن الحكم ضد الرجل حين يحكم عليه بعشر حلقات من الذهب هو حكم جائر لأنه تزوج عليها دون علمها وترفض أن تعيش مع ضرتها.
«البغيضة» كما يطلق عليها فرعونيا وكان هذا الحكم حاسما وقاسيا رغم أنه قد خفف من الذهب الأبيض إلى الذهب الأصفر وقد كان الطلاق فى العصر الفرعونى أمرا نادرا ويحاول مصطفى أن يأخذ الحكم من دار حفظ الأحكام «قاعة حور» حين يشعر أن الحكم ظالما وضد الرجل وتعرف ما حاول أن يفعله مصطفى ولكنها تسامحه لأنه لم يكن فاهما لطبيعة الحكم الفرعونى العادل.