الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عندما فكر العقاد فى الانتحار!

عندما فكر العقاد فى الانتحار!






لم يكن الوفد وقائداه «مصطفى النحاس باشا» و«مكرم عبيد باشا» راضين عن جريدة روزاليوسف اليومية  عامة ومقالات الأستاذ «عباس محمود العقاد» ضد وزارة توفيق نسيم باشا خاصة وسرعان ما انتهى شهر العسل السياسى بين الوفد وبين الجريدة!
ويرصد الأستاذ الكبير «فتحى رضوان» ملامح ذلك الخلاف فى كتابه «عصر ورجال» فيقول:
«استدعى النحاس الأستاذ العقاد ليبلغه عدم رضاء حزب الوفد عن حملات الجريدة على وزارة نسيم، وكان النحاس آنذاك فى الإسكندرية فسافر العقاد وقابله هناك فأظهر النحاس اسيتاءه من الحملة على الوزارة فقال العقاد إنه يحمل عليها لأنها انحرفت فهى تماطل فى إعادة الدستور وتعمل لصالح الإنجليز ووزير معارفها «نجيب الهلالى» يضطهد الوطنيين!
فقال له النحاس: ولكنى أؤيدها - أى الوزارة - وأنا زعيم أشخاص فقال له: أنت زعيم الأمة لأن هؤلاء انتخبوك ولكنى كاتب الشرق بالحق الالهى!! ويقال أيضًا أن العقاد أخرج قلمًا صغيرًا من جيبه، وقال إنه لن تنتهى برية هذا القلم إلا وقد انتهى أجل هذه الوزارة!!
ويؤكد الأستاذ «فتحى رضوان»  أن «هذه الفترة من حياة العقاد الصحفية كانت أغنى الحقب وأحفلها بالحركة وأبعدها أثرًا فى تاريخ مصر الحزبى، فقد انتهت الملاطفات التى صاحبت ميلاد هذه الجريدة اليومية الوفدية إلى معركة سافرة بين الوفد ممثلًا فى شخص «مكرم عبيد» وبين الجريدة ممثلة أساسًا فى شخص «العقاد»، حمل «العقاد» على «مكرم» وحمل مكرم على العقاد!! وكانت حملات ذات دوى ضخم أمتعت القراء الذين تطيب لهم هذه المعارك الحامية ومتابعة القذائف الكلامية المتبادلة!
وفى هذه الفترة فكر حزب «مصر الفتاة» أن يقيم اجتماعًا سياسيًا فى يوم 13 نوفمبر سنة 1935 على أن يكون العقاد من خطبائه ولكن وزارة نسيم منعت الاجتماع فى نفس اليوم، وكنقاد اجتمعنا فى منزل العقاد بمصر الجديدة فبدا أن هناك رأيين رأى يقول بإذاعة أمر المنع قبل موعد الاجتماع، وآخر يقول بإخفاء أمر المنع حتى يذهب المدعوون إلى الاجتماع فى موعده ومكانه فيكون من تجمعهم ثم عودتهم مظاهرة تعوض الخسارة الناجمة عن منعه الاجتماع، وأذكر أننى ذهبت إلى مكان الاجتماع وكان فى قصر «آل لطف الله» بالزمالك واستطعت أن أدخل إلى القصر وفطن البوليس إلى وجودى فدخل  وألقى بى ضابط طويل ضخم من نافذة الدور الأرضى.
غير أن الوفد نجح فى آخر الأمر فى إسقاط جريدة روزاليوسف ثم فى إغلاقها، ومرت على العقاد أسوأ فترات حياته، فقد كانت الجرائد إما وفدية وإما غير حزبية لا تستطيع أن تستكتب كاتبًا حزبيًا له كل الخصومات والعداوات التى كانت للعقاد، فرأى العقاد نفسه بلا عمل وبلا أمل فى عمل ومرت عليه الأيام بطيئة ثقيلة، والأزمة لا تريد أن تنفرج.
وفى هذه الأيام زدت معرفة بالعقاد فقد كان يكثر من التردد على مكتبى، وفى مكتبى حررت له عقد بيع جميع النسخ التى كانت باقية عنده من كتابه عن «سعد زغلول» وكانت تعد بالآلاف اشتراها دفعة واحدة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكائنة فى أول شارع محمد على، ودفع له مائة جنيه أبعدت عنه شبح اليأس قليلًا، ومنحته فترة يتنفس فيها فوق سطح الماء!
وفى هذه الفترة فرغ الإنجليز من مفاوضة جبهة الزعماء على معاهدة سنة 1936 وكانت جمعية مصر الفتاة تصدر مجلة أسبوعية فاستكتبته مقالين أو ثلاث ضد هذه المعاهدة وكانت تدفع له عن المقال عشرة جنيهات قبلها فى مضض.
فى تلك الأيام كان العقاد يتجلد وهو يعانى أشد الآلام وقد عرفت يومذاك أن «العقاد كان يحمل معه فى الغدو والرواح زجاجة صغيرة ملأها «سمًا زعافًا» أعده لساعة تستحكم حلقات الأزمة ويعز العزاء، ولكن الله سلم وعاش العقاد بعد ذلك سنين طويلة زاد فيها اسمه ذيوعًا وزاد فيه عمله نجاحًا وتوالت آثاره الأدبية».
وللحكاية بقية.