الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثــــورة القــرن

ثــــورة القــرن






 يبدو أن مرضى التثور اللاإرادى قد ظنوا فى أنفسهم أوزانا مؤثرة. حالة حنين ثورى سيطرت عليهم لمجرد أنهم رأوا شارعا ظنوا أنه قد تحرك منفعلا متفاعلا مع سياسة العشوائيات التى يمارسونها فى فضائهم الإلكترونى.
فى شهر سبتمبر، حيث خريف الإفلاس السياسى الأخير لجماعات «التسكع الإلكترونى» كانت قد أُعلنت عن زيارة رئاسية معدة سلفا ومعتادة سنويا فى نفس الموعد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ستدور فى أروقتها مناقشات سيقصصها الإعلام علينا ومنها ما لن يقص. حيث إن الطبخة السياسية العالمية تعد هنا فى نيويورك وتؤكل ساخنة فى واشنطن.
■ ■ ■
فى طيات الملفات السرية تكمن الشفرات المتصلة بجماعاتها المرتكزة على عناصر الخيانة فى الداخل والمطاردين والمشردين فى التيه السياسى بالخارج.
كانت المهمة المطلوبة من هؤلاء أو أولئك أن يأتى رئيس مصر إلى نيويورك مضغوطا، قلقا، متراجعا، فتتم اللقاءات والنقاشات الرئاسية تحت وطأة انضغاطه بفعل الشارع أو «عقدة يناير» التى لا زالت تسيطر على مجموعات البطالة السياسية بعدما ظنوا فى قدرتهم الوهمية على زعزعة أنظمة ورؤساء!
المفعول بهم سرا وعلانية يتعاملون على قدر رخاوة معادنهم، لا يدركون أن من وقف يوم ٣٠ يونيو وربط على قلبه مولاه المستوى على عرش ملكوته فى ٣ يوليو ٢٠١٣ لا يعرف قيمة المقايضة ما بين وطنه وثوابت قضيته مقابل استمراره فى منصب حتما سيزول. الحفاظ على ثوابت الدولة الوطنية هو مفتاح سر شرعية عبدالفتاح السيسى.
■ ■ ■
 ٣٠ يونيو هى ثورة الدولة الوطنية المصرية، الدولة هنا هى أيقونة تلك الثورة، ولذلك فهى ثورة قائدها شعبها بالوعى وبالفطرة، فلا يجوز هنا المزايدة على من تقدم الصفوف فى مواجهة العالم من أجل بلده لنقول إنه من الممكن أن يفرط فى ثوابته، كان من الأحرى به أن يستمر فى منصبه الرفيع كوزير للدفاع حينها دون مواجهة المسئولية أمام الشعب.
الآن تتم عملية عبث فى الوعى العام وفى فلسفة ٣٠ يونيو لإيصال معنى معكوس بأن السيسى لم يتقدم الصفوف من أجل وطنه بل من أجل المنصب، هكذا تتم عملية التفريغ المزدوجة من المضمون، تفريغ الثورة من هدفها النبيل وتفريغ الرجل من رصيد إخلاصه.
عملية التفريغ ستعقبها إعادة ملء لخزانات الوعى العام التى كانت قد وصلت لذروة إدراكها بقيمة وطنها.
■ ■ ■
نقول إن الحركة المصنعة التى بدأت استجابة للفيديو البذىء انطلقت فى شهر سبتمبر لتحتل المشهد إعلاميا وإلكترونيًا ولتقول إن الرئيس المتوجه للولايات المتحدة بلا ظهير شعبى أو أن ظهيرة يتآكل. إذن هو الآن أكثر قابلية للاستجابة للضغط، هو الآن فى صراع داخلى مع النفس ما بين التمسك بمبادئ ٣٠ يونيو أو قبول أى تنازلات من أجل الاستمرار فى منصبه، ما لكم كيف تبصرون؟!
■ ■ ■
فى طريق الرئيس إلى الولايات المتحدة كانت هناك المعطيات التالية:
- تعنت إثيوبى تجاه سد النهضة.
- تصعيد تركى تجاه إعادة صياغة خريطة الغاز فى الإقليم.
- جماعة إرهابية قوبلت كل دعواتها للمصالحة بالرفض من الدولة المصرية رسميا وشعبيا ولم يعد أمامها سوى الإرهاب وسيلة وغاية.
- غموض يحيط بتفاصيل الشق السياسى فيما يعرف بصفقة القرن.
فمصر تقبل بأى صفقة لحل القضية الفلسطينية على قاعدة حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، ولكنها لا تقبل بأى صفقة لتصفية القضية على قاعدة فرض الأمر الواقع.
■ ■ ■
 محاولات جرت قبيل الزيارة لفرض واقع استباقى على الأرض المصرية ارتبطت بمجموعات منتقاة بعناية تواجدت بأمريكا فى نفس الوقت ورددت نفس الهتافات هنا فى نيويورك بلا مطالب، فقط هتاف واحد بلا مطلب واحد، والعجيب أن دعوة الفوضى التى ارتكزت على حالة ضيق اقتصادى لدى البعض لم ترفع شعارا واحدا بمطالب المضغوطين اقتصاديا غير المسيسين أساسا ولكن يتم استخدامهم سياسيا.
الذين يهتفون كانوا ينتظرون نتائج اللقاء بين السيسى ونظيره ترامب لتخرج نتائجه بتصريحات مؤيدة للهتاف وحاملة صيغة اللوم لرئيسهم المصرى، لكن ترامب حسم الموقف وأكد أن «السيسى» قائد عظيم، أنقذ مصر من الفوضى، لتقع تصريحاته عليهم وقع الصاعقة وأصابتهم حالة إحباط إلكترونى بعدما كانوا قد تصوروا أن يكون ترامب أيقونة ثورتهم المصرية، وما أشبه الليلة بالبارحة!
■ ■ ■
عظمة ثورة ٣٠ يونيو هى ذاتها خطورة فكرتها وفلسفتها التى تفسر حجم الاستهداف لكل إنجازاتها ومعانيها وأشخاصها، بعد أن رفعت الغطاء عن تنظيم الإخوان وتيار الإسلام السياسى بالكامل وأثبتت أنهم غير صالحين للحكم أو العيش المشترك، والأخطر أنهم لم يعودوا صالحين للاستخدام الاستخباراتى بعد أن أصبح رفضهم ومقاومتهم ثقافة شعبية ومكونا رئيسيا فى بنيان الهوية المصرية.
«عبدالفتاح السيسى» ومن منطلق منصبه الرفيع فى مقدمة عملية الاستهداف لتحقيق ما يلى:
- ترسيخ يقين زائف بأن مساندة الجيش بقيادة السيسى لثورة يونيو كانت وسيلة وليست غاية للدولة المصرية.
- الإيحاء بأن ثورة يونيو كانت تحركا عسكريا بغطاء مدنى وليست ثورة شعبية حماها الجيش.
- الخداع بأن مصر لا زالت أسيرة لحالة الشرعية الثورية ولم تنتقل بعد لشرعية الإنجاز.
- الاستمرار فى عملية بعثرة مكونات الكتلة الصلبة لثورة ٣٠ يونيو لمنح التنظيم الإخوانى فرصة للعودة.
وعلى ذلك تجد الآن حمى إخوانية للدفع نحو الشارع لأن التنظيم قد مُنِح الفرصة الأخيرة من جانب مشغليه فى أروقة الأجهزة الاستخباراتية.
■ ■ ■
 ففى الوقت الذى لازال التنظيم الإخوانى فيه يعتقد بقيمة ذاتية لوجوده فإن عملية تصنيفه فى الوعى الاستخباراتى القطرى والتركى قد انخفضت من مرحلة «إعادة التسكين والتمكين على أرض مصر» إلى مرحلة «التوظيف طويل الأمد ضد الدولة المصرية لاستنزافها». أى أن التنظيم تحول لأداة استخباراتية فى صراع إقليمى تعلم أطرافه الفاعلة تماما أن إعادة ترتيب الخريطة فيه لن تسمح بوجود تيار الإسلامى وتحديدا تنظيم «الإخوان» فى منظومة الحكم أو صناعة القرار، إلا أن التنظيم لا زال غارقا فى غيبوبته المحلية والإقليمية يمارس عملية انقلاب ذاتية على نفسه ويكشف نفسه بنفسه ويفرز جيلا يتخذ من العنف والإرهاب عقيدة وليست مجرد وسيلة!
■ ■ ■
بمعنى أنه فى الوقت الذى يعتقد فيه التنظيم الدولى للإخوان بأن الحرب إقليميا مستعرة من أجله ومن أجل عودته أو انتصارا لقتلاه، فإن مشغليه فى دوائر الاستخبارات القطرية والتركية يدركون جيدا أنه أداة فى حرب الطاقة الدائرة بعد أن ارتكزت مصر على قاعدة من الاكتشافات التى أهلتها لأن تكون مركزا إقليميا للطاقة والغاز.
حتما ستنتهى الحرب بعد أن تكون مجموعات منتمية للتنظيم قد تحولت إلى مرتزقة محترفة ويكون التنظيم قد فقد كل القواعد التى كانت متاحة لإعادة ارتكازه فى محيطه العربى أو الإقليمى.
■ ■ ■
فى ظل تلك الحرب الإقليمية غير المسبوقة فى أهدافها وأدواتها وأسلحتها التى كانت تستهدف تفتيت الدولة الوطنية ليس فى مصر فقط وإنما على امتداد الإقليم من محيطه إلى خليجه، جاءت ثورة ٣٠ يونيو سدا منيعا شاهقا فى وجه هذا الزحف الآثم، تاريخيا توازى هذه الثورة ما حدث من الدولة المصرية فى مواجهة الغزو التتارى.
  وفى مواجهة صلابة الدولة الوطنية المصرية التى تجلت فى ٣٠ يونيو استعرت الحرب ضد مصر على قدر حجمها وعلى قدر قيمة فعلها الثورى المهول الذى غير مسارات استراتيجية عالمية وأعاد صياغتها وفرض عليها مفهوم الدولة الوطنية كثابت أساسى فى العلاقات الدولية.
■ ■ ■
بهذه القيمة استحقت ثورة ٣٠ يونيو أن تكون بحق «ثورة القرن»، بحق استحقت أن تكون ثورة الإنقاذ لوجود الدولة الوطنية ووضعت تعريفا وتصورا لها، وبقدر قيمتها كانت المواجهة ممن كشفت عنهم الغطاء، لكن الخطورة تكمن فى أن يكون إدراك قيمة هذه الثورة فى وعى أعدائها متفوقا على حجم إدراك قيمتها فى وعى صناعها!
الحقيقة تقول إن من كُشِف عنهم الغطاء يعتمدون خطة إهدار القيم النبيلة لثورة يونيو من أجل تفكيك وحدة اتحاد ملاك الثورة، وبالتالى يتحول أنصارها إما لمجموعات من النادمين أو مجموعات من المنصرفين عنها، ومن بين النادمين والمنصرفين يتم تشكيل جمهور جديد قابل لتسليم وعيه لمحاولات تثوير جديدة ليس لها هدف سوى الانقلاب على الذات ومعاقبتها بعد أن تم تشويه وتشتيت معانى ثورتها فى وعيها ونقلها فى الذهنية العامة من مفهوم «ثورة الدولة» إلى مفهوم «ثورة سيطرة المؤسسة العسكرية على الدولة». وبين المفهومين تحاول دول وأجهزة ومصارف تدر أموالا للعبث فى تلك المساحة، متوهمين أن هذا الشعب يمكن أن ينصرف عن قيادته الوطنية الأمينة أو عن جيشه الحامى لمقدراته.
■ ■ ■
 فى مواجهة هذه المحاولات تكمن عبقرية ثورة ٣٠ يونيو التى قامت من أجل وجود الدولة لا من أجل إعادة اختراعها، تكمن عبقريتها فى انضوائها تحت لواء الدولة لأنها منذ لحظة انطلاقها الأولى كانت تدرك حجم مداها الثورى الذى انطلق منذ اللحظة الأولى ليس بهدف المراهقة السياسية بعنوان «الثورة مستمرة» بل باستراتيجية المسئولية التاريخية بعنوان «الدولة مستمرة».
ربما لم يجر حتى اللحظة مشروع قومى للتنظير لهذه الثورة العظيمة وتسويقها وتوثيقها فى لوحة شرف التاريخ، لكن تأثيرها وقدرتها للتعبير عن نفسها قولا وفعلا فى الملعب السياسى الدولى والإقليمى جعل من ٣٠ يونيو ليس فقط أم الثورات وإنما حق عليها القول بأنها «ثورة القرن».