الممر وأسئلة حول الإنتاج الفنى
ليس من السهل أن تتكحل العين بالدمع وهى تشاهد عملا دراميا لمدة ساعتين، مدة فيلم «الممر» من تأليف وإخراج القدير شريف عرفة، يجب أن تتساءل مباشرة لماذا شعرت بهذه الحالة التى ظلت مسيطرة عليك طوال فترة المشاهدة؟ وما هى التوليفة الفنية التى جعلت منك شخصا متأثرا طوال مدة الفيلم؟ لا شك أن وراء ذلك مجهود فنى محكم؛ بداية من القصة الرائعة التى تحمل قصة حقيقية لأبطالنا الأشاوس الذين أعطوا العدو درسا قاسيا بعد هزيمة يونيه بوقت قصير، ووصلوا بعد كفاح وإصرار شديدين إلى عمق احتياطى المحتل الإسرائيلى فى سيناء، ثم ضربه واختراق قواته الأمامية القريبة من الضفة الغربية والعودة ثانية للوطن بعد فتح ممر فى تشكيلاته بدبابة واحدة وعزيمة الأبطال وتسليحهم الخفيف، مما أعطى رسالة قوية وحاسمة بأن قواتنا المسلحة قادمة رغم كل التحصينات التى قام بها العدوأمام قناة السويس إلا أن أبطال الصاعقة المصرية قد استطاعوا أن يصلوا إلى خطوطه الخلفية.
ظل المشاهد على أطراف كرسيه لا يبرح مكانه حتى انتهى الفيلم، لاشك أن السيناريوالمحكم للمخرج شريف عرفة كان أحد العوامل المهمة جدا فى الوصول لهذا النجاح الباهر للفيلم إضافة لكل عناصر العمل وكل العاملين فيه بداية من شريف عرفة والمنتج هشام عبد الخالق ومرورا بأبطال العمل الذين تفوقوا على أنفسهم وموسيقى عمر خيرت الرائعة والديكورات و المعارك وأماكن التصوير الجميلة والإخراج الجيد المتميز وحتى أخر عامل إضاءة الذى كان وراء الكاميرات.
جاء نجاح فيلم الممر فى وقت مهم جدا ومثال، فمصر تحتاج لتكاتف الجميع حتى تمر من تلك الفترة الحرجة التى تؤسس فيها بنيتها الأساسية للمستقبل، كانت قصة الفيلم بمثابة دفقة معنوية كبيرة وصفعة قوية من مجموعة من رجال الصاعقة المصرية البواسل الذين أعطوا لكل المشككين فى قدرات قواتنا المسلحة ورجالها الأشاوس درسا فى الوطنية، هؤلاء الذين يخوض أحفادهم الآن أشرف المعارك ضد الإرهاب كما خاض آباؤهم وأجدادهم البواسل فى حرب أكتوبر أشرف المعارك ضد المحتل الغاصب.
والسؤال الأول المهم الآن والذى يفرض نفسه بقوة، كم من الوقت مر على آخر عمل فنى تم تقديمه عن أمجاد وبطولات جيشنا العظيم؟ وما هوالمستوى الذى يجب أن يقدم من بطولات قواتنا المسلحة؟ أعتقد أن الطريق إلى إيلات كان آخر تلك الأعمال التى تحكى قصة حقيقية مكتملة الأركان عن بطولات مجموعة من الصاعقة البحرية التى استطاعت أن تهز أركان إسرائيل، أعتقد أن هذه الأفلام هى التى من الممكن أن توثق فعلا لأمجاد وبطولات الجيش المصرى العظيم، لذا كان نجاح فيلم الممر الذى يوثق للحظة حقيقية من معارك الجيش المصرى فى حرب الاستنزاف الخالدة التى قادها الجيش المصرى ضد العدو على طول الجبهة وفى العمق الإسرائيلى، والمدهش أن ذلك لم يكن عن طريق الطائرات كما كانوا يضربون المدنيين فى المصانع والقرى والمدارس والمستشفيات، إنما كان ذلك بيد أبطالنا من القوات البرية والصاعقة والمظلات والصاعقة البحرية، فقد أذاقوهم طوال سنوات مرارة الحرب الحقيقية.
ويأتى السؤال الثانى، لماذا لم تقم قطاعات الإنتاج الفنى باتحاد الإذاعة والتليفزيون بإنتاج مميز مثل فيلم الممر منذ سنوات؟ وهل سنظل نتخلى عن دورنا كتليفزيون وسينما الدولة عن تقديم شيء ذى بال يؤرخ ويوثق لبطولات جيشنا العظيم ويعلم الأجيال القادمة رحلة الكفاح والصمود والتحدى والانتصار للجيش المصرى؟ يجب أن تعود شركات الإنتاج المصرى التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون ثانية للعمل من أجل توعية وإرشاد وتوثيق ورفع الذوق العام والتصدى لكل الأشياء السيئة والهابطة التى أغرقت عين المشاهد المصرى.
وأخيرا تحية خالصة لشركة الإنتاج المحترمة التى أنتجت هذا الفيلم العظيم بمبلغ 100 مليون جنيه مصرى، يؤكد الفيلم أن مصر بها صناعة حقيقية للسينما المصرية وعلى الهيئات الوطنية للإعلام التى تتباهى بشعر بنت أختها أن تعود ثانية للإنتاج بدلا من تفاخرها بعرض الفيلم فى التليفزيون المصرى وألا تنسى أن الدراما الحقيقية أمن قومى مصرى، والسؤال الأخير كيف يمكن أن ندعم المنتج هشام عبد الخالق الذى غامر بهذا الإنتاج الضخم ولم يحقق إلا حوالى 76 مليون جنيه فقط مما يعنى أنه لم يحقق أرباحا تجارية، وإن كان قد حقق الفيلم أرباحا فنية ومعنوية ضخمة، هل من الممكن أن تقوم الهيئات القومية والمؤسسات والوزارات بدعمه وشراء حقوق تكفل له تغطية ما صرف أم نتركه وحده يعبر عن محبة الوطن وقواتنا المسلحة دون مساعدة حقيقية، وساعتها لن يغامر ثانية بتجربة أخرى رائعة مثل فيلم الممر؟.