محمود بسيونى
«الجوكر» إله الفوضى!
كل المؤشرات الاقتصادية تشير إلى ركود عالمى يقترب، حرب تجارية بين أمريكا والصين وانكماش للاقتصاد الألمانى وأزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى والصراعات الجيوسياسية التى تجتاح العالم، ولا أحد يعلم متى ستتوقف فى ظل حالة ضعف شديدة تمر بها الأمم المتحدة، وآخرها إعلان عجزها عن دفع رواتب 37 ألف شخص يعملون فى أمانتها العامة بعد إعلان أنطونيو غوتيريش، الأمين العام أن المنظمة الدولية تُعانى عجزًا قدره 230 مليون دولار وأنّ احتياطاتها المالية قد تنفد بحلول نهاية أكتوبرالحالى مرجعا السبب فى ذلك إلى عدم وفاء الدول الأعضاء بدفع مساهمتها المالية.
إذن العالم يمر بمرحلة دقيقة، أزماته تتجاوز فكرة حل الأزمة الاقتصادية العالمية، وواصلة إلى مرحلة اللابديل عن المحافظة على الأمن والاستقرار كأولوية أولى لحماية الناس من شرور الفوضى المصاحبة لتراجع قدره العالم على حل أزماته.
وسط ذلك الوضع الدولى الصعب يتم تصنيع رمز جديد مرتبط بقناع من عالم القصص المصورة، وهو شخصية الجوكر الذى اشتهر بأعمال الشر فى سلسلة باتمان الشهيرة، قناع جديد ستراه فى تظاهرات وأعمال عنف مثلما حدث مع قناع شخصية فانديتا الذى أصبح رمز الاحتجاج فى السنوات الأخيرة.
كلاهما الجوكر وفانديتا تعرض لأذى مجتمعى تحول إلى غضب موجه إلى السلطة، وكلاهما ظهر تأثيره على المراهقين والشباب بدرجة كبيرة، تأثير يشبة جلسات التنويم المغناطيسى، حتى أن تصرفاتهما العنيفة والجنونية المستمدة من خيال المؤلف أصبحت الشغل الشاغل للجميع على السوشيال ميديا، وتغزو الكوميكسات المرتبطة بهم تصنيفات الأكثر انتشارا وشيوعا حول العالم فيما يعرف بسيطرة «التريند»، وينتهى ذلك بظهور من يحاول تقليدهما وهو ما يهدد الأمن الاجتماعى فى الصميم.
حتى إن الولايات المتحدة أعلنت حالة التأهب القصوى مع بدء عرض الفيلم خشية أن يتكرر ما حدث فى دار عرض سينمائى بمدينة أورورا بولاية كولورادو عن عرض فيلم من سلسلة باتمان عام 2012 حينما قام مسلح بالهجوم على دار عرض وقتل 12 شخص وجرح 70 وكشفت التحقيقات أنه كان تحت تأثير شخصية الجوكر.
تقارير صحفية عديدة تحدثت عن تهديدات صدرت بالفعل دفعت بعض دور العرض إلى الغاء عرض الفيلم الذى حقق نجاح قياسى بلغة الأرقام خلال أيامه الأولى، خطورة الموقف دفعت الجيش الأمريكى إلى اصدار توجيه إلى أفراده، بوجود تهديدات بحدوث عمليات إطلاق نار جماعى مع عرض الفيلم فى صالات السينما، حيث من المحتمل أن يتم استهداف قاعات العرض، كما منعت دور العرض فى عدد من المدن الأمريكية ارتداء الأقنعة، وطلاء الوجه، والملابس التنكرية عند عرض الفيلم، رغم أنه تقليد معروف عند إصدار أى من أفلام الأبطال الخارقين.
شرطة مدينة لوس أنجليس رفعت درجة تأهبها إلى الدرجة القصوى خشية وقوع احداث عنف قد يقوم بها أفراد يتأثرون بما تنضح به شخصية جوكر من شرور، وذكرت التقارير الصحفية أن عددا من الحاضرين فى أحد دور العرض بالقرب من ميدان تايمز سكوير بولاية نيويورك قد قاموا بالهرب أثناء عرض الفيلم بسبب المخاوف من رجل قام بالبصق على الجمهور وكان يصفق كلما قتل الجوكر شخصية ما خلال عرض الفيلم.
الشركة المنتجة وبطل العرض الممثل العبقرى خواكين فينكس أكدا أن العمل لا يهدف إلى تمجيد شخصية الجوكر، لكن حركة التفاعل مع الفيلم تتزايد حول العالم معلنة عن نوع جديد من الهلع الأمنى المرتبط بتقليد شخصيات شريرة فى أفلام لها جماهيرية واسعة وتخاطب المراهقين، وفى حالة دول العالم الثالث ومجتمعاتها الهشة تصبح تلك الشخصيات مادة جاذبة للتظاهر العنيف تحت أقنعتها وصب الغضب على الحكومات التى تتحول إلى متهم لا يريد أحد الاستماع إليه.
الفيلم يعرض بشكل طبيعى فى قاعات العرض المصرية والعربية وسط تحذيرات متعددة لأطباء نفسيين من جرعه الدراما السوداوية الموجودة فى مشاهد الفيلم والذى حاز على تحذيرات مرتفعة من الرقابة لكثرة مشاهد العنف والدم فى الأحداث.
حالة القلق المصاحبة للفيلم حول العالم توجب التحذير من إثارة السلبية على الشباب والمراهقين والمرضى النفسيين، كمصدر الهام للفوضى العنيفة، والعمل على تحصين المجتمع سريعا حتى لا تتكرر مأساة فانديتا، ونجد أنفسنا أمام فوضى جديدة تقودها أقنعة لا تعى معنى الأمن والاستقرار، وتبحث عن انتقام لشخصية كرتونية بعد أن قطعت الحد الفاصل بين الخيال والواقع، واسقطت كل أزماتها الاجتماعية على الدولة وأجهزتها، وهو أمر بالغ الخطورة فى دولة تتعرض لمخاطر متعددة أمنية واقتصادية ومائية تهدد حياة شعبها.