الإثنين 25 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قوتنا الناعمة مغناطيس الجذب.. وحماية الأمن القومى

قوتنا الناعمة مغناطيس الجذب.. وحماية الأمن القومى






يبدو أنه لا مفر من مجاراة لغة العصر ومستحدثاتها شئنا أم أبينا!
ففى كل صباحٍ جديد يخرج علينا أهل الفكر والسياسة والأدب؛ بمصطلحات تجعلنا نعيد النظر فى مضامين ومسارات حياتنا، ليكون لنا شرف المحاولة فى العلم بها وتفهم أغراضها.. ثم يأتى التطبيق الذى يتواءم ومتطلبات الحياة داخل المجتمع.
واليوم يظهر على سطح الأحداث السياسية والاجتماعية الموَّارة فى جنبات العالم؛ مصطلح «القوة الناعمة» ! فهل هناك على الجانب الآخر ـ ككفتيْ الميزان ـ مصطلحٌ آخر يسمَّى بالقوة الخشنة؟ وحتى لانقوم بالتشويش على فكر المتلقى المتابع باهتمام؛ دعونا نقوم بالتعرف إلى ماهى القوة الناعمة فى الأساس، وسيكون التعريف بالجانب الآخر ـ بالتأكيد ـ سهل المنال والوصول إليه.
يقول علماء الاجتماع إن القوة الناعمة هى استطاعة النخبة والصفوة من رجالات الفكر والقادة الضالعين فى معترك السياسة؛ وهى القادرة بعناصرها على الحصول على ما تريد الوصول إليه سياسيًا وفكريًا وعقائديًا؛ عن طريق الإقناع والجاذبية فى عرض الأفكار دون ضغط أو إجبارالغير على اعتناقها أو عن طريق الإغراء بالأموال ـ كما يحدث فى بعض الانتخاباتـ، وهى مانسميه فى العُرف الاجتماعى بسياسة تزويرالإرادة؛ وهى أشد وأعنف وأخطرمن تزوير الأصوات عن طريق الاقتراع بالصناديق، إذ يكون ـ ساعتها ـ الولاء للمال وليس للمبدأ والفكرة.
وتعتمد «القوة الناعمة» فى الأغلب الأعم على قوة الجذب للمضامين الثقافية فى المجتمع وسياساته العامة المعلنة فكرًا ويدعمها التطبيق الفعلى على أرض الواقع، ففى حالة التوافق بين الفكرة والنظرية والتطبيق، يكون الانتصار للمصداقية فى  قوة الجذب أكثر فاعلية، ويتبعها التزام مؤكد من قبل المنضمين الجُدد فى طابورالمؤيدين واتساع دائرتهم باكتساب عناصر فاعلة قوية.
وهذه القوى الناعمة ـ المفترض إخلاصها لصالح الوطن ـ عليها العبء الأكبر فى اتساع «مغناطيس الجذب» للطاقات الخلاَّقة لقوى الشباب؛ عن طريق شن الحرب الثقافية العقلانية لتغيير المناهج التعليمية وتشذيبها من كل ما يخالف المنطق والعرف فى التراث الدينى بالذات ـ خاصة نظريات عدم قبول الآخر سياسيًا وعقائديًا ـ وهى «اللعبة التاريخية» التى ينتهجها الغرب منذ طرد الاحتلال العسكرى من الشرق الأوسط، فكان الالتفاف عن طريق إثارة النعرات القبلية والطائفية والمذهبية بين الدول العربية والعالم الثالث بوجهٍ عام، وهى ما تسمَّى بالمؤامرة الكونية التى حيكت بليلٍ فى مطلع الأربعينيات من القرن الماضى على يد عتاولة الصهاينة ومؤسسى دويلة إسرائيل «موسى شاريت وبن جوريون»، وقام بدعمها فى الثمانينيات الكونجرس الأمريكى، والهدف: تفتيت الخريطة العربية بالتقسيم العرقى والمذهبى!
فنحن الآن وأمام كل هذه التحديات الصريحة والمعلنة؛ هل سندفن رؤوسنا فى رمال اللامبالاة والاندفاع وراء الصراعات المادية الحياتية، وهل سنتغافل عن تلك البنادق المحشوة برصاص الغدر للإيقاع بنا فى شرك التقسيم والتشرذم؛ وأصابع إسرائيل لم تترك «الزناد» لحظة واحدة منذ ظهور كيانها كشوكة فى ظهر العرب والشرق الأوسط بصفةٍ عامة، لتحقيق حلم «هرتزل» بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
والسؤال الحائر الآن على ألسنتنا ـ نحن المهتمين بالشأن العام ـ ويبحث عن إجابة شافية: هل شبابنا بكل فئاته وشرائحه العُمرية يعلم بتلك المؤامرة وأبعادها؟ بدلاً من الاستغراق فى مهاترات التلاسن على صفحات التواصل الاجتماعى التى أتت بكل النتائج العكسية؛ فأصبحت صفحات «التباعد الاجتماعى» بما يتم عليها من صراعات لافكرية ولا تستند إلى الوثائق والمستجدات على الساحة الدولية، ولا يعلمون شيئًا عمن يتربصون خلف تلك الحوائط الزرقاء على أجهزة الكومبيوتر، بل يمتد السؤال إلى أعمق من هذا بكثير، فنتساءل : ماهو دور القوة الناعمة فى جعله على علمٍ بايجاد حلول تخرجنا من عنق الزجاجة؛ فشبابنا سيتسلم الراية أن آجلا أم عاجلا؛ وعلى عاتقه ستلقى تبعة المسئولية وصياغة الحلول المنقذة، فلا يجب ترك يده فى الماء البارد وإقامة منتديات الشباب وبعض المشروعات لايكفى لغرس الوعى الكافى لإعداده لمجابهة عثرات المستقبل.
المهمة جد ثقيلة، والمسألة لايجب أن تترك للعشوائية فى التنفيذ، ومصيرالأجيال الحالية والقادمة فى أعناق رجالات الفكر والسياسة والأدب، ولم تعدم ـ ولن تعدم ـ مصر من هؤلاء المفكرين حاملى مشاعل التنويرفى كل زمان، والمطلوب الكثيرمن الحزم فى سرعة وضع استراتيجية يلتزم بها الجميع، حتى وإن كانت يشوبها بعض القسوة فى استئصال العناصر المناهضة بالاستبعاد وتنظيف الساحة من أصحاب الأفكار المناوئة التى تعطل مسيرة التنمية، التى تُعد حائط الصد المنيع لكل أبعاد المؤامرة الكونية على تفتيتنا وذهاب عالمنا أدراج الرياح.
ولكننا ـ وللحق نقول ـ إنه ليست هناك مسئولية بلا سلطة ! ولا نستطيع أن نلقى بالتبعة على أكتاف نخبة «القوى الناعمة» لحماية الأمن القومى؛ دون منحها سلطة التنفيذ والمتابعة الفورية والمستمرة، فلابد من تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية ـ وهذه سلطة الأجهزة التنفيذية الحاكمة بخططها المدروسة على أرض الواقع ـ، وحينئذٍ سيضطلع كل فرد داخل المجتمع بواجباته العملية؛ آمنًا مستقرًا على أوضاعه الاجتماعية والصحية، علاوة على ضرورة وجديّة ما تبذله وسائل التواصل المرئى والمقروء نحو غرس كل مايحض على  تقوية الوازع الوطنى والارتقاء بالشعور بالذائقة الجمالية وتنمية الثقافة المعرفية بكل الشفافية بأوضاع الوطن وتحدياته الآنية والمستقبلية.
إنه الوطن.. فماذا بعد ضياع الوطن وتمييع الهويَّة؟!