
صبحي مجاهد
جهود الإفتاء نموذج حضارى
استطاعت دار الافتاء المصرية من خلال الامانة العامة لدور الافتاء أن تحيى نموذجا حضاريا عندما اقتحمت مجال الخلاف الفقهى وكيفية ادارته من خلال مناقضات جادة وجهود ظهرت بوضح فى مؤتمرها الدولى الأخير الذى جمع تحت مظلته ممثلين عن دور الافتاء فى العالم وبالتحديد من 85 دولة ، حيث أحدثت حالة من النقاش الإيجابى والجاد حول قضية خطيرة تتعلق بالنظر للآراء الفقهية المختلفة والتى قد تتعارض فيما بينها فى بعض الأمور ، والتى كشفت عن استغلال كبير من قبل الفكر المتطرف لآراء فقهية قد تكون قوية فى زمنها لانها لا تصلح لزماننا أدت إلى تضليل العديد من فئات المجتمعات المسلمية والتغرير بشبابها
ومن خلال الحضور فى المؤتمر لوحظ وجود تغيير فى طريقة تفكير العلماء ونظرتهم فى الحديث عن الآراء الفقهية المختلفة ، واصرار واضح على ان يتم استعادة النموذج الحضارى للمسلمين حول الخلاف الفقهى وكيفية التوفيق بين الآراء لتحقيق مصلحة الأمة بما يتفق مع النصوص والمنهج الإسلامى.
إن مؤتمر الإفتاء بما طرحه من مبادرة لوثيقة التسامح الفقهى والافتائى يمثل نموذجا حضاريا يستحق ان يتم تعميمه على مستوى العالم الإسلامى لما يمثله من عودة حقيقية لحقيقة الافتاء ، وضرورة ان يكون هناك جهود جماعية فى الفتوى يتم خلالها نقاش الآراء الفقهية حول قضايا الأمة المختلف فيها.
وفى هذا الصدد أشير إلى جهود دار الافتاء عبر فترة من الزمن لتحقيق النموذج الحضارى فى إدارة الخلاف الفقهى وهو ما أشار إليه الدكتور أحمد ممدوح سعد – مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية- من أن دار الإفتاء لها تجربه تاريخية ثرية حتى صدر من ذلك التراث الآلاف من الفتاوى ومنها ما تم انتقاؤه وناهزت الخمسين مجلدا وليست هى كل تراث دار الإفتاء، موضحا أن للمفتى أن يعدل عن تصحيح أفعال الناس اذا رأى ان المصلحة تقتضى عكس ذلك، قائلا» نستدل من ذلك أن دار الإفتاء حافظت على الخلاف الفقهى مع الحفاظ على تحقيق مقاصد الشرع الشريف».
كما أشير إلى نقطة مهمة لفت إليها عالمنا الجليل د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء فى كلمته فى المؤتمر وهى حقيقة التوجه الفقهى لجماعات التطرف حين أوضح أن تلك الجماعات استغلت الخلاف الفقهى وتلاعبت به لاسيما وانهم لم يتربوا فى بيئة علمية محترمة كالأزهر الشريف ولم يتلقوا العلم على أيدى العلماء الربانيين، ولم يتبركوا بحديث الرحمة المسلسل بالأولية، فقست قلوبهم وحولوا الخلاف الذى هو فى حقيقته مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية بالأمة المحمدية، وسبب من أسباب السعة والمرونة، إلى سبب من أسباب الشقاق وسوء الأخلاق.
وشدد على أن خلاف العلماء لم يكن مظهرًا من مظاهر الهوى والعناد، كما أن إقرار فكرة التوسعة بتعدد الآراء والاجتهادات من قِبَل الأئمة سلفًا وخلفًا، أمر لا يحتاج إلى دليل ولا برهان، فلسان حالهم أكثر صراحة من مقالهم، ومن ذلك ما قام به الإمام عمر بن عبد العزيز إزاء تيار توحيد المذاهب وحمل الناس على اجتهاد واحد.
وكلمة حق.. إن ما طرحته دار الافتاء فى مؤتمرها الدولى لدور وهيئات الافتاء يمثل استثمارا حقيقيا لتحقيق رسالتها السامية، ويكشف حقائق غائبة عن الكثيرين حول الخلاف الفقهى الذى يعتبره البعض تضاربا فى الدين فى حين ان حقيقته هى إثراء معرفى وحضارى كان بحاجة إلى منهجية حضارية لإدارته.