سيدة الحب والجمال.. المرأة المصرية!
فى اللحظات الفارقة فى تاريخ الأمم العتيدة، صانعة الحضارات وصاحبة الأصالة قديمًا وحديثًا، تكشف معادن البشر على أرضها عن مدى نقائها وانتمائها لتلك الجذورالعميقة لشجرة التاريخ الوارفة، والتى تضم تحت ظلالها كل الشرفاء الذين يضيفون كل صباح سطرًا جديدًا فى سجلات العظمة والخلود، من أجل الحفاظ على الأمن القومى لأوطانهم.
وبنظرة موضوعية للمفاهيم الحديثة لهذا الأمن القومى المنشود، نجد حتمية الحفاظ على المسارات الصحيحة للتنمية المجتمعية، التى لاتتأتى إلا بالارتقاء بحياتهم اقتصاديًا وسياسيًا، لينعم الجميع بالاستقرار والاطمئنان على الغد الأفضل، إلى جانب ضرورة تقوية وتحديث الدروع الواقية لكل المكتسبات التى تتحقق على أرض الواقع، وتتمثل هذه الدروع فى الجيش الذى يحمى حدود البلاد والشرطة التى تحمى الجبهة الداخلية.
ولعلى لاأُتهم بالانحياز إلى بنات جنسى من نساء مصر الفضليات، إذ أرى أن معادلة تحقيق الأمن القومى لاتكتمل إلا فى ظل مثلث قوى ضلعاه : الجيش الوطنى والشرطة الأمينة، وقاعدته الأساسية «المرأة المصرية» بكل تاريخها الباذخ فى النضال الوطنى المشرِّف فى العصر الحديث، ومنذ اعتلت سدة عرش الحكم فى مصرنا الفرعونية، بل وصلت فى بعض الأسرإلى اعتلاء منصة القضاء، ولم تصل إلى تلك المكانة الرفيعة إلا بعد أن حظيت بدرجة القداسة متمثلة فى العديد من آلهة الحكمة، فكانت «إيزيس» رمزًا خالدًا للوفاء، و«ماعت» إلهة العدل، و«حتحور» إلهة الحب، ناهيك عن الألقاب التى تنطق بها النقوش المنحوتة على جدران المعابد، وتشهد بأنها «سيدة الحب»، «طاهرة اليدين»، «سيدة الجمال»، وقد وصلت إلى تلك المكانة الرفيعة وقتما كانت جموع النساء فى شتى بقاع الأرض «سبايا» فى الأغلال الحديدية، يُبعن بالدراهم فى أسواق الرقيق!
لسنا فى حاجة إلى إعادة تنشيط ذاكرة المجتمع بكتاب « تحريرالمرأة» الذى أصدره «قاسم أمين» فى نهاية القرن التاسع عشر بدعم من زعماء التنويروقتئذٍ، ابتداء من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفى السيد، وتدعيم الآراء نفسها بكتابه «المرأة الجديدة « فى مطلع القرن العشرين، علاوة على ماكتبه عن أهمية دور المرأة فى المجتمع بجريدة «المؤيد»، برغم مالاقاه من معارضة»خوارج» كل زمانٍ ومكان، كما نرى فى أيامنا هذه ممن يناصبون العداء للمرأة والتعتيم على دورها الفاعل واتهامها بأنها جسرٌ فقط لإنجاب الأطفال!
لقد صدق من قال إن المرأة صانعة الوجود، فهى التى تُنتج أغلى وأعظم سلعة فى الحياة : الإنسان، ولذا حباها الله بالصفات الخلاَّقة القادرة على تربية الأجيال وتلقينهم المثل والقيم السامية، وحظيت المرأة بالتبجيل والقداسة فى ظل كل العقائد السماوية وكتبها المطهرة.
ولنا أن نلقى نظرة فاحصة على الأمس القريب خلال أحداث يناير 2011 والمشهد الخالد لتقويمها لتلك الأحداث فى 30 يونيو من العام نفسه، حيث تصدرت المرأة الصفوف الأولى دون رهبة أو خوف، ولم تتقوقع خلف جدران بيتها وخلف النوافذ، حتى لقِّبن من الراصدين المنصفين لتلك التفاعلات الشعبية بأنهُنَّ «حرائر ثورة مصر» كما فعلن فى أحداث الثورة الكبرى التى اندلعت فى كل انحاء مصر فى العام 1919 ضد سلطة القصر والاحتلال الإنجليزى، لتثبت بما لايدع مجالاً للشك أنها المسئولة عن النشأة الوطنية السوية للأجيال بتلقينهم القيم العليا فى حب الوطن وغرس روح التضحية والفداء فى أعماق النفوس، وأبدًا لم يقتصر هذا الدور التاريخى على الصفوة والنخبة المثقفة منهن وحسب، بل تخطاه إلى نساء كل الشرائح المجتمعية من العاملات فى الحقل والسوق والمدرسة، من اللائى لم يتلقين حظهن فى التعليم أوالثقافة، ولكن الثقافة الوطنية الفطرية لاتحتاج إلى الكتب والأبحاث العلمية والأكاديمية، لإدراك المعانى الرفيعة لكلمة: وطن!
والآن.. ماذا نحن فاعلون للحفاظ على ركيزة وقاعدة مثلث الأمن القومى المتمثلة فى المرأة المصرية، وبخاصة بعد الهجمات الشرسة عليها ممن ينادون ـ فى بعض وسائل الإعلام الرجعى ودكاكين المنابر المنتشرة أسفل البيوت ـ بتحجيم دورها فى المجتمع والمناداة باختفائها القسرى خلف الغلالات السوداء المادية والمعنوية؟
لقد جرى العرف على الاحتفال بـ «يوم المرأة العالمى « فى الثامن من مارس من كل عام، تكريمًا لدورها فى الحياة الإنسانية، وفى حدود معلوماتى أن هناك جملة اقتراحات بتشريعات مقدمة إلى مجلس النواب خاصة بتمكين المرأة وإنصافها فى قوانين الأحوال الشخصية، نتمنى أن تخرج هذا العام إلى حيز التنفيذ الفعلى بعد إصدار مواد القوانين المدعمة لتلك الاقتراحات.
لقد أدركت المراة المصرية معنى حماية الأمن القومى فعليًا دون تلقين، إذن فلا خوف على بلادنا من أية مخاطر محدقة فلدينا أقوى سلاح، إن المرأة المصرية التى أنجبت ضابط الجيش والشرطة وأرضعت الأبناء حب الوطن وفداء كل شبر منه بدمائنا بكل شجاعة، إنها لرسالة منقطعة النظير لكل من يحاول إنكار دورها الفاعل فى تعديل ودفع مسار عجلة التاريخ.