الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«برانديز» سيدة المشهد الفينيسى

«برانديز» سيدة المشهد الفينيسى






فى نظرة سريعة على عالم الحركة التجارية فى الفن التشكيلى فى أوروبا حاليًا وخصوصًا بعد حركة الرواج الواسع الذى تشهدة تجارة القطع الفنية فى أوروبا منذ عقدين من الزمان بل وقد تصل القطعة الواحدة لأكثر من 120 مليون يورو كما يحدث مع بعض الفنانين، تتميز هذه الطفرة بأن كل موسم تخرج إلى السطح حقبة بعينها أو مدرسة فنية بعينها أو ربما فنان بعينه فكل موسم قد يختلف عن الآخر وخصوصًا فيما يعرف بصراع دور العرض على الاقتناء والتحكم فى سوق الفن التشكيلى التجارية والتى أصبحت كما قلنا تشكل تجارة من أهم أنواع التجارة فى عالم الأعمال.
منذ موسمين وربما ثلاثة تحولت بوصلة الاقتناء فى عوالم الفن التشكيلى وتجارته لعدة اتجاهات منها الاتجاه الأكاديمى، والذى كان قد أفل نجمة من الناحية التجارية منذ الخمسينيات وأيضًا اتجاه المناظر الخارجية وتوصيف الأماكن والاقتراب أكثر للواقعية الوسطى والحديثة وكان ذلك بعد أن كان الاتجاه الغالب هو التركيز على إقتناء أعمال الحداثة وما بعد الحداثة بما فيها التركيز على فنانين بعينهم من بينه بيكاسو ودالى وريبوليس وآخرين من عتاة «المودرنزم» مما عزز مبيعات هذا الاتجاه بشكل عام، لكن من موسمين اتجهت البوصلة كما قلنا لمدرسة الأكاديميين ورسامى المناظر الخارجية وكان التركيز أكثر على «البنادقة» أى رسامى فينيسيا وأكاديمى فينسيا أيضًا بشكل خاص.. الحقيقة أن البروباجندا التى تنفجر حول أعمال الحداثيين وقصص حياتهم ومغامراتهم هى التى تجعل من أعمالهم أيقونات يتسابق الجميع على اقتنائها بينما جهلنا بحياة العباقرة الكبار ودورهم فى تاريخ الفن يجعلنا نبخس أعمالهم التى تعتبر علامات فى تاريخ الفن التشكيلي.
الحقيقة أن موضوعانا ليس المقارنه فى حركة البيع والشراء فى بورصة الفن لكن هو مدخل لنعرف اتجاه البوصلة هذا الأيام التى تدخلنا مباشرة لأحد أهم فناني الأكاديمية والذين تفوقوا بدون منازع فى مجال تصوير المشاهد الخارجية وهى فنانة يطلق عليها سيدة المشهد الفينيسى وكما يطلق عليها البعض أيضًا امرأة الأكاديمية الأولى وتعود هذه التسمية الثانية لأنها هى أول امرأة تسجل رسميًا للدراسة فى أكاديمية فينسيسا العريقة للدراسة قبل أن يصرح القانون بذلك بسبعة أعوام، فنانتنا اليوم هى إيطالية الفن والهوى والتشيكية الأصل والمولد الفنانة انتونيتا برانديز والتى يشار إليها على أنها غيرت الطقس التصويرى فى مشاهد فينسيا فى الفن التشكيلى واقترب أكثر من التبسيط الانطباعى دون أن تكون ضمن الانطباعيين بل ولا نستطيع أن نعتبرها من رواد الواقعية لكنها يمكن أن تكون كلاسيكية متحررة كما قد يحلو لنا أن نسميها وتعود كلاسيكيتها لعدة علامات أولها أن الشكل المعمارى للبناء الفينيسى فى أعمالها هو على نفس نمط العرض الموجود فى الباروك وما بعد الباروك وتنسحب هذه الخاصية أيضا على الخلفية المائية.
كما تعتبر أهم شواهد ارتباطها بالكلاسيكية ذلك الاصرار على أن تكون الكتلة المعمارية بكل حضورها هى البدن الرئيسى للمشهد التصويرى، ومع كل هذا المشهد الفينيسى الكلاسيكى كانت شخوصها لا زالت تتبع نوعًا ما الرومانسية الأكثر اقترابا من العصر الفكتورى مقارنة بيوجينى دى بالاس الفينيسى القدير الذى جعل من الشخوص مجموعة من دراما الشخصية ووجوه الفينيسيات المبهجة لكن أنتونيتا برانديز أبتعدت عن التشخيص الدرامى مما جعل الشخوص فى لوحاتها مجرد مكملات للمشهد المدنى اى العمارة والمشهد الخارجى.
هناك نقطتان يجب أن نشير إليهما جعلت من أنتونيا برانديز مبدعة فى ظروف لا توصف بالكاملة وحيث اكتنفت حياتها المهنية الكثير من المضايقات وخصوصًا فى مجتمع يميل للشرقية نوعًا ما فى معاملة النساء مثل المجتمع الفينيسى والذى كان يحب ظهور النساء كسيدات مجتمع وسيدات ليالى ومرح على ظهورها كسيدة متخصصة تنافس الرجال فى ملاعبهم كأن تكون فنانة تشكيلية أو عالمه وهكذا ومن ثم كان تسجيليها فى الأكاديمية من الصعب بشكل رسمى لكنها بتفوقها وحذقها تغلبت على ذلك وتم تسجيلها فى الأكاديمية البندقية للفنون كأول فتاه تدرس بشكل نظامى عام 1867على الرغم من أن القبول الرسمى للفتيات فى الأكاديمية كان فعليًا بعد ذلك بثماني سنوات اى عام 1875 وكان هذا أول انتصار تسجله أنتونيتا برانديز على ظروف مجتمعها الصعبة وأما الظرف الثانى والذى شكل صعوبة لديها هى حدة بعض النقاد فى قبول أعمال لفنانة أنثى فى المعارض والمسابقات حتى أنها حينما شاركت عام 1877 فى معرض رابطة بودابيست للفنون الجميلة فى المجر وكانت قد فازت بجائزة لكنها لم تسلم من تقريع النقاد كونها فتاة ومن ثم قامت بعد ذلك بتغيير اسمها فى المعرض فكانت تشارك بأعمالها تحت اسم رجل فكانت تشترك باسم أنطونيو برانيدز بدلا من أنطونيتا برانديز والحقيقة أن هذا الإجراء كان يؤلمها كثيرًا لأنها كانت لا زالت تشعر بعدم حريتها مع هذا الطقس الذكورى فى فينيسيا بل وفى معظم أوروبا.
لعلنا أيضًا نستطيع أن نصف أنتونيتا بأنها ليست فقط مصورة مشاهد خارجية فقط بل هى أيضًا من أهم مصورى المشاهد الدينية فى هذه الفترة ولعلنا نذكر أهم أعمالها التى تحمل الطابع الدينى ومنها اعمال المذبح فى كنسية سان لوكا بكاركولا فى كرواتيا كذلك أعمالها فى بهو كنيسة سان فيتوس فى جزيرة بلاتو بالفرب من فينيسيا وكذلك أعمالها بكنيسة سانتا ماريا دى فرارا فى فينيسيا.