الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«هاريت بيكر» أيقونة الفن النرويجى

«هاريت بيكر» أيقونة الفن النرويجى






حينما حددت الفلسفة مهام الفن وماهيته جعلت منه محاكاة للطبيعة ثم محاكاة لكل ما يتبع هذا الموضوع من حيث محاكاة الفن للشخصيات والمواقف والأشكال على اعتبار أن هذه الأشياء جميعًا تشكل الأجزاء الرئيسية لمصطلح طبيعة . ثم بعد تطور وتنوع قضايا الفن بشكل مطرد ومع تطور حاجات وإشباع هذه الحاجات بالنسبة للكائن البشرى من الناحية الفكرية والفنية تعدت حدود المحاكاة بالنسبة للفن وأصبحت أيضًا تضم موضوع التعبير عن الذات، وقد نشأت نظريات كثيرة تتناول العمل الفنى ومنظوره النفسى سواء من ناحية التذوق أو من الناحية النقدية.
ونحن نرى أن العمل الفنى الناجح قد يحمل الشقين أى أنه قد يلامس أحاسيس المتلقى ويداعب خياله من خلال أنه يعبر عن رؤيا شخصية لدى المتلقى انطلاقًا من تعبيره عن مكنونات المتلقى كما انه يجب أن يكون ممرًا يعبر به الفنان ذاته عن تجربة شديدة الخصوصية والذاتية، وعلى ذلك نرى ان العديد من الفنانين التشكيليين قد نجحوا فى استقطاب عدد كبير من المتلقين على مر عصور مختلفة لأنهم عبروا عن قضايا عالمية وإنسانية لا تموت ولا يغير منها الزمان مهما تعاقبت عليها العصور ولن نجد أصدق مثال ندلل به على هذه النظرية أكثر من الفنانة النرويجية الحساسة «هاريت بيكر» والتى كانت حياتها الفنية أكبر مثال على أن الفن لا يعرف مقاييس ثابتة وأن اكتشاف الجمال قد يكون فى أبسط الأمور التى تجود بها الطبيعة على أبصارنا. و تعتبر هاريت بيكر من رواد المدرسة النسائية والتى كانت تعانى من ثقل خطوات النقد تجاهها، وبالتالى نجاح بيكر وحصولها على جوائز عديدة أدى إلى أن تكون أحد أسباب لفت النظر للمدارس النسائية فى أوروبا.
تتميز أعمال بيكر فى مجملها بأنها تميل للواقعية المتزنة فنحن نعرف أن الواقعية على الرغم من أنها تعبر عن مشهد واقعى من مشاهد الحياة إلا أنها كانت فى بعض الأحيان عرضة للشطط سواء فى الإفراط فى التعبير عن البؤس أو البهجة وكلاهما إفراط غير محمود بالنسبة لمذهب الواقعية وقد استخدمت الألوان المطفأة والهادئة إلا فيما ندر كما أنها كانت دائمًا تستخدم المصدر الضوئى لها بحكمة تتناسب مع الموضوع الذى تصوره فهو فى الغالب إما مصدره نافذة كما فى لوحاتها امرأة تحيك وعازفة البيانو ومنظر داخلى لمطبخ، أو يكون مصدر الضوء صناعيا مثل امرأة تقرأ حيث نجد أن هناك مصدرين فى اللوحة الأول تتوزع أشعته على أثاث الغرفة وهو موقد التدفئة والمصدر الثانى هو مصباح تقرأ بطلة اللوحة عليه وهو الذى يشكل الإضاءة التى تبرز لنا ملامح الفتاة التى تقرأ.
بالطبع خاضت هاريت بيكر تجاربها الناجحة بدرجة كبيرة مع الانطباعية ونعتقد أن هذا الإتقان للانطباعية كان سببه إقامة هاريت فى باريس مدة عشر سنوات حيث كانت الانطباعية فى أوج تألقها آنذاك، ومع أن هاريت بيكر أتقنت بشكل كبير الرسم على الأسلوب الانطباعى إلا أن معظم لوحاتها الانطباعية ليست أصيلة بدرجة كبيرة بحيث نجدها أحيانًا صدى للوحات انطباعيين كبار مثل فان جوخ مثل لوحتها الفتيات فى الحقل التى تشبه أعمال بيسارو وجوخ بشكل كبير كذلك حائكة الملابس كل هذا اللوحات تعبر عن امتداد لفنانين آخرين ولذلك فإن معظم النقاد يميل إلى نسبها للمدرسة الواقعية التى كانت من روادها ولا شك.
ولدت هاريت بيكر فى يناير 1845 لأسرة نرويجية غنية فى هولمستراند وانتقلت للعيش معهم فى أوسلو حيث بدأت دروسها الأولى فى الرسم على يد المعلم الكبير جوشيم كالمير والذى كان يتحلق حوله العديد من التلاميذ ثم انتقلت للدراسة مع فريدريك ايكرسبيرج ثم كريستين برون لكن دعنا نقول أن أهم المؤثرين فى مشوارها الفنى كان الفنان النرويجى الكبير إيليف بيترسون والذى تعلمت منه تقنيات كثيرة ومنها تقنيات توزيع الضوء وكان هو أيضا متأثرا نوعا ما بالانطباعية، بعد ذلك التحقت بأكاديمية ميونخ للفنون حتى عام 1878 وبعدها رحلت لتكمل دراستها فى إحدى المدارس الباريسية الشهيرة آنذاك وهى مدرسة مدام تريلات وقضت فى باريس نحو عشر سنوات عاصرت فيها  المدارس الجديدة ومن بينها المدرسة الانطباعية وتأثرت بها وقامت برحلات داخل أوروبا حيث كانت أختها عازفة البيانو الشهيرة أجاثا بيكر تجوب أوروبا لتعرض فنها مع الفرق الموسيقية. وقد عادت بيكر إلى النرويج وأنشأت مدرستها التى ظلت تعلم فيها منذ عام 1889 وحتى عام 1912 وأثرت فى فنانين كثيرين أمثال لارس جورد و هنريك لوند.
تظل بيكر ضمن أهم خمسين فنانًا واقعيًا فى أوروبا فى القرن التاسع عشر ويظل أكبر مؤثر فى مشوارها الفنى هو الفنان إيليف بيترسون. حصلت على الميدالية الفضية فى المعرض العالمى ثم ميدالية الملوك الشهيرة التى تمنح للنابهين من فنانى النرويج وتعتبر أعمالها من أهم الأعمال التى تتسابق المتاحف على اقتنائها خصوصا متحف بيرجن الشهير، توفيت هاريت بيكر عام 1932.