السبت 25 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مصر بلدك يا جون

مصر بلدك يا جون






أثلجت صدورنا دعوة منتدى شباب العالم للأخ الجنوب سودانى «جون ‏منوت شول» الذى تعرض للتنمر من قبل مجموعة من الشباب بمنطقة ‏العباسية، بعد انتشار مقطع فيديو يصور الواقعة على نطاق واسع عبر ‏تطبيق «تيك توك» حتى تم القبض على الجناة ومعاقبتهم بالقانون ‏المصرى الذى يعاقب على التنمر بعقوبة قد تصل إلى الحبس.‏
والحقيقة أن المنتدى بتلك الدعوة استجاب لحالة التضامن الشعبى الكبيرة ‏مع جون، وظهور قصته الإنسانية فى الصحافة المصرية، حيث اتضح ‏أنه يقيم فى مصر مع أسرته منذ 15 عامًا، بعد نزوحهم من جنوب ‏السودان بسبب الحرب، ويدرس بالمدارس المصرية، ولديه 7 أشقاء، ‏وأسرته بسيطة ووالدته لا تعمل ووالده يعمل بأحد الفنادق‎.‎
تألم ملايين المصريين بسبب ما حدث مع جون وما لحق به من ألم نفسى ‏جراء ما تعرض له خلال الواقعة، وشعر بالراحة حينما أحس بالتضامن ‏وبتحرك دولة القانون للقبض على المتهمين ومعاقبتهم، استراح لشعوره ‏بالعدل والتضامن الإنسانى، لكننا لم نسترح، فما حدث لا يجب أن يمر ‏دون مصارحة ووضع خطة لعلاج الخلل.‏
قبل أيام حصلت مصر على إشادة 93 دولة فى أهم محفل حقوقى عالمى ‏وهو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى جنيف، وكان من ‏ضمن أسباب الإشادة جهود مصر فى العمل على تحسين أوضاع اللاجئين‏، فنحن دولة لا يعيش فيها اللاجئون داخل معسكرات، بل تحتويهم مصر ‏داخل مجتمعها، يعيشون بيننا كأنهم فى بلادهم، ومصر تاريخيًا كانت ‏وطنًا لكل باحث عن الأمن والاستقرار.‏
الإنسانية مزروعة فى عمق شخصيتنا التاريخية، فكيف يظهر بيننا مثل ‏تلك النماذج الشاذة التى تسىء لصورتنا وسمعتنا، الحادث بالقطع ليس ‏عبث أطفال أو مزاح ثقيل كما ادعى المتهمون، ويجب التعامل بحزم ضد ‏أى تنمر يتعرض له أشقاؤنا الأفارقة فى مصر، والحل يبدأ بالتربية فى ‏المنزل وصولًا إلى دمج ثقافة حقوق الإنسان وقبول الآخر فى مناهجنا ‏الدراسية، مع التركيز على أننا نعيش فى بلد ينتمى لإفريقيا تاريخًا وقلبًا ‏وروحًا، وإن من واجبنا غرس حب هذه القارة وسكانها فى قلوب أطفالنا .‏
وقبل ذلك يجب أن نعترف كمجتمع أن ما حدث هو جريمة فى حقنا قبل أن ‏تكون فى حق جون، وأنها جاءت فى توقيت تجتهد فيه الدولة المصرية ‏بكل ما فى وسعها للعودة إلى إفريقيا، وفتح ما انغلق من أبوابها، ولولا ‏دعوة منتدى الشباب للشاب التى هى فى جوهرها رسالة اعتزاز بكل ‏الأشقاء الأفارقة الموجودين على أرض بلدهم الثانى مصر، لكانت ‏الجريمة قد التصقت بنا كما حدث فى السابق بسبب حوادث فردية مماثلة ‏دفعت أشقاء إلى الابتعاد عنا وفتح الأبواب أمام أعدائنا.‏
ما أفسده الغباء يصلحه منتدى شباب العالم، تجربتنا التى نفخر بها ‏وإسهامنا الحضارى السنوى الذى ينعقد سنويًا فى مدينة السلام شرم ‏الشيخ، المنتدى الذى يحتفى بكل مكونات الحضارة المصرية والعمق ‏الإفريقى تحديدًا، دعوة جون تتسق تمامًا مع رسالة المنتدى العليا وهى ‏التآخى الإنسانى، والاحتفاء بجذورنا الإفريقية، كما أنها تؤكد أن ‏القيادة السياسية ومؤسسات ‏الدولة لن تقبل بخطأ التنمر، ولن تسمح ‏بالتجاوزات ضد أى من ضيوف مصر ‏المقيمين على أراضيها خاصة ‏اللاجئين الذين أصبحوا شركاء فى الوطن وعنوانًا لقيمنا الإنسانية العابرة ‏للعصور.