الخميس 7 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الديون الحميدة.. والاستثمارات الخبيثة

الديون الحميدة.. والاستثمارات الخبيثة






لا أكتب مقالى هذا دفاعًا أو تشجيعًا للاستدانة غير المدروسة.. فالديون عبء ثقيل.. وما لم تكن لهدف ذى جدوى للاقتصاد، وفى حدود مقبولة، فإنها حتمًا ستدفع المُستدين إلى آتون التعثر والأزمات.
لكن فى الوقت نفسه، أرى أن النظرة السائدة بين المواطنين فى بلدنا هى رفض الاستدانة والقلق الزائد حيال أيّة قروض تحصل عليها الدولة.. بل إن هناك بعض الاقتصاديين قد اعتادوا على توجيه اللوم وإظهار الكثير من الحنق فى وجه الحكومة لقيامها بالاقتراض وعدم جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.. فالاستثمار الأجنبي، فى وجهة نظرهم، هو الحل لأزمات الاقتصاد، فى ظل وجود فجوة بين المدخرات وحاجة الدولة للتنمية والاستثمار.
وبين التشدد فى رفض الاقتراض.. وفتح الأذرع ترحيبًا بكل استثمار أجنبى، تكمن الإشكالية التى لا بد من توضيح أبعادها لكى نصل إلى رؤية قد تكون مغايرة للطرح الذى يروج له كثيرون ويؤمنون به.
وأول الأبعاد التى لا بد من إيضاحها هو أنه كما أن للاقتراض تكلفة وأقساطًا لا بد أن تسددها الدولة وتمثل عبئًا، فإن للاستثمار الأجنبى تكلفة أيضًا ولا بد من الوفاء بها، هذه التكلفة تتمثل فى حاجة المستثمر فى نهاية كل عام إلى تحويل أرباحه إلى الخارج، وذلك يمثل عبئًا على النقد الأجنبى للدولة أيضًا.. والفارق هنا بين تكلفة الاقتراض والاستثمار أن تكلفة الاقتراض تنتهى بسداد الاقساط.. أما تكلفة الاستثمار فهى مستمرة باستمرار النشاط.
أما ثانى الأبعاد هنا فهو قياس ما تمثله الاستثمارات الأجنبية من ضغوط مقارنة بالقروض، فالمستثمر الأجنبى غالبًا ما ينظر إلى مصلحته الضيقة، دون مراعاة بالقدر المناسب لمصلحة الاقتصاد والدولة التى يعمل بها، فتجد مثلًا، هرولة شركات الأسمنت المملوكة للأجانب فى العام الماضى إلى رفع الأسعار، استغلالًا لتعليق الإنتاج وقتها بمصنع العريش المملوك للدولة لظروف أمنية.
نجد مستثمرين أجانب لجأوا إلى وسائل الإعلام العالمية للتهديد بالانسحاب من السوق المصرية، نظرًا لتأخر الدولة - فى سنوات سابقة - فى الوفاء بمتطلباتهم المتمثلة فى تحويل الأرباح للخارج، بل إن هناك شركات أعلنت تخارجها بالفعل، وقد نلتمس الأعذار للبعض، إلا أن النتيجة واحدة وهى إحداث البلبلة وممارسة الضغط على الدولة فى وقت كانت أزمة العملة على أشدها.
ناهيك عن ضغوط تتمثل فى نسبة العمالة المصرية التى يمكن أن يقبلها المستثمر الأجنبى وعدم قبول ما يُطرح بشأن الحد الأدنى للأجور، والمطالبة دائمًا بتسهيلات قد تحد من الفائدة التى تنتظر الدولة أن تجنيها من وراء هذا الاستثمار.
وفى مقابل هذه الممارسات من مستثمرين أجانب، كيف يمكن تقييم حصول الدولة على قرض لتنفيذ مشروع هام؟.. أليس ممكنًا من خلال هذا المشروع تحقيق الآثار الاقتصادية التى ننتظرها، من توفير فرص العمل، وزيادة الانتاج، وقبل كل ذلك خلق كيان اقتصادى مصرى لن يكون يومًا عنصر ضغط على الدولة طالما أُحسنت إدارته.
إذن فليس كل اقتراض يمثل أزمة.. وليس كل استثمار يمثل الحل.. وفى بعض الأحيان يكون الاقتراض هو الحل الأمثل.. بينما يكون الاستثمار هو الأزمة والعبء الحقيقى.