الأربعاء 2 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثقافة القبح وبقعها السوداء على ثوب الجمال المصرى

ثقافة القبح وبقعها السوداء على ثوب الجمال المصرى






أعتقد أنه بعد انتشار «ثقافة الغُطْرة والجلباب القصير والشبشب أبو إصبع وأكياس البلاستيك السوداء، ودعاء دخول الحمام؛ وكتب الثعبان الأقرع، و أحجبة السحر لعودة الحبيب بعد ثلاث ساعات على بوز أمُّه».. فهل نعتقد أو نأمل فى صمود «ثقافة الجمال» ــ التى تربت عليها أجيال الزمن الجميل ــ أمام كل هذا القُبح؟
نحتاج السنوات الطوال للعودة.. وعلينا إطلاق أجراس الخطر لوقف هذا الطوفان من القُبح!
بالبلدى  وبعيدًا عن تقعرات اللغة: «هل الشعب المصرى  فعلاً ـ مالوش كتالوج؟»
فالمتعارف عليه فى المصانع الكبرى المنتجة لأدوات التكنولوجيا الحديثة؛ أن ترفق مع كل مُنتج «كتالوج» يحدِّد طريقة وكيفية استعماله ومعالجة الأخطاء الناتجة عن سوء الاستخدام أو الخطأ فى إعطائه الأوامر، ما بالك بالمنتج الإلهى العظيم من «بنى آدم» الذى قال عنه المولى سبحانه وتعالى:
«وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».. سورة الإسراء(70).
ولكن يبدو أن الإنسان المصرى  فى المرحلة الأخيرة ـ شرد بعيدًا عن الاستخدام السوى لمقدراته وما جُبل عليه منذ القدم؛ وأصبح بحاجة ماسة إلى من يقوم بإعادته إلى حالة «ضبط المصنع»؛ وإلى قاعدته الأًصيلة الأصلية التى انطلق منها منذ فجر التاريخ إلى آفاق العلم المتقدم فى مجالات الحياة كافة.
فمن العجيب أن ترى لافتة كبرى ـ على سور مدرسة مثلاً ـ مكتوبة بالخط النسخ الجميل: وتعلن أن «النظافة من الإيمان»؛ وتجد تحتها مباشرة تلالاً من القمامة التى تزكم الأنوف بكل الروائح الكريهة لـ»خرْج البيوت» من فضلات الطعام ونتاج أعشاش الطيور! فلمن إذن هذا النداء والتذكير بأن «النظافة من الإيمان»؟
إذن.. هناك انفصامٌ حاد وشرخٌ رهيب فى جدار الشخصية المصرية، نتيجة الأوامر الخاطئة الصادرة إليه ممن يمسكون ـ غصبًا ـ بـ «ريموت» التوجيه! وأصدق مثال على ما نقول؛ هو ما يحدث من هجوم غير مبرر على الفنانين المشاركين فى المهرجانات السينمائية السياحية، وانتقاد مشاهد الأناقة فى الملبس والمظهر الحضارى الذى يعرضونه للعالم على السجادة الحمراء، وكانت الحجة «المُعلَّبة» والمصبوغة بدهون الأفكار السلفية العفنة؛ بأن مساحة «التعرِّي» فى ملابس الفنانات؛ كانت بمثابة الخنجر الذى «فقأ»عيون السادة أصحاب الفضيلة والفضائل!
مهلاً.. فأنا لا أدافع عن مشاهد «التعرِّي»؛ ولكنى أدافع عن «الجمال» الذى قمنا بدفنه بأيدينا بمدافن «القُبح» الذى تغلغل فى كل أركان حياتنا وشوارعنا وإعلامنا؛ حتى دخلت مظاهر القبح ـ حتى ـ فى «لغتنا» التى كنا نفتخر بها أمام العالم شرقًا وغربًا؛ فأصبحنا نجد فى القاموس الجديد ألفاظًا وعبارات ما أنزل الله بها من سلطان.
ويقفز على لسانى فورًا؛ السؤال الذى سيظل يبحث عن إجابة وسط الركام:
لماذا تراجع مستوى الذائقة الجمالية فى مصرنا المحروسة؟ سؤال لابد أنه ورد على ذهن الكثيرين فى أكثر من مناسبة وأكثر من مكان؛ وأنت تشاهد فيلمًا من أفلام زمان أيام تقنية سينما الأبيض والأسود، وإلى أين ذهب هذا الجمال واختفى؟ أين شياكة وأناقة وجمال ونعومة فاتن حمامة وسامية جمال ومديحة يسرى وهند رستم ومريم فخر الدين وليلى فوزى وليلى طاهر ونعيمة عاكف، والدلوعة شادية والسندريلا سعاد حسنى وشويكار وزبيدة ثروت وشمس البارودى ومديحة كامل وسهير رمزى وناهد شريف، ناهيك عن أناقة «بنات الجامعة» ليس فى قاهرة المعز فحسب، ولكن كانت الأناقة والشياكة ـ من كل الطبقات ـ سمة من سمات جامعات جنوب الصعيد، والذوق والجمال وحسن الاختيار لا يشترط المغالاة فى الثمن للملابس؛ فالذوق الراقى لا يشترط الأثمان المرتفعة؛ بل الأهمية تكُمن فى التنسيق واختيار ما يتناسب مع قوام الشخصية، ثم نتساءل على الجانب الآخر: أين أناقة أصحاب الكرافتات الشيك ابتداء من الموسيقار محمد عبدالوهاب وكمال الشناوى ومحسن سرحان وشكرى سرحان ونجيب الريحانى وسراج منير واستيفان روستى وزكى رستم وأنور وجدى، ولا تتسع المساحة لذكر الكثير من هؤلاء العظماء؛ الذين نتمنى أن يعكُف على مشاهدتهم والتأسِّى بهم شباب اليوم من الفنانين الصاعدين، وليرحمونا من مشاهدة «البنطال» ذى السيقان الممزقة الرثة، وكأنهم شحاذون قادمون من على «باب السيدة زينب» إلى استوديوهات السينما والتليفزيون والمسرح!
ولعلهم صادقون فيما يفعلونه؛ للتعبير عن الثقافة المهترئة داخل عقولهم وفنونهم التى أكل الدهر عليها.. وشرب، وهى الفنون التى يحاولون فرضها على الذوق المصرى والعربي، والغريب أن هذه «الهلاهيل» تباع بأغلى الأثمان فى فتارين وسط العاصمة؛ وكأنهم يؤكدون أننا فى زمنِ أصبح فيه «القبح» و»المظهر الرث» له ثمن فى أسواق التقليد الأعمى لكل الآتى من الغرب الذى يسعى بكل الوسائل لطمس هويتنا!
كانت كل مظاهر الجمال تحيط بنا حتى الأمس القريب؛ وتشهد بذلك ـ ليس فى الفنون فحسب ـ بل فى مظاهر الهندسة المعمارية الراقية لأبنية العاصمة المصرية القديمة؛ وهى التى تبعث فى العيون والنفوس والأفئدة أجمل معانى التفاؤل والحبور والسرور والبهجة.
ولم نسمع فى ذاك الزمان عن غباء التحرش والاغتصاب والجرائم التى تملأ أخبارها صفحات وأعمدة الجرائد والمجلات بلا رادع أو وازع من ضمير، وكأن العلاقة طردية بين مظاهر التدين الشكلى الذى يسود المجتمع، وما يحدث بالفعل على الساحة المجتمعية من مظاهر تجعلنا نقول: ليتنا نعود للخلف.. حيث الموجة العالية من المبادئ والقيم السامية التى كانت تحكم المجتمع لنزهو بها على طول الزمان.
ولن يمل قلمى المتواضع ولن يكِل من الإضاءة على الأركان المظلمة فى دروب حياتنا؛ والمحاولات الجادة المستنيرة من أجل إزاحة تلك «البُقع السوداء» التى تشوِّه روائع الجمال المصري منذ العهود القديمة.
ونذكِّر ـ من تناسوا ـ أن البشر من كل أنحاء العالم يجيئون إلى مصر ليقفوا مشدوهين أمام جمال وروعة «رأس نفرتيتي» كنموذج لما كانت عليه مصر.. ولا مجال للمقارنة بين الأمس واليوم!
ويقينا لا أخاف من إطلالتى برأسى على عش الدبابير!