«أحلام الأوركيدا» فسحة للأمل ودعوة للمحبة
إسلام أنور
كتب- إسلام أنور
صدر حديثا عن دار «الآن ناشرون وموزعون» رواية «أحلام الأوركيدا» للكاتبة الأردنية «دلندا الحسن».
تبدأ الرواية بمقطع للفيلسوف الروائى الفرنسى «ألبير كامو»: «تعرفون اسمى، ولا تعرفون قصتى، تعرفون ماذا فعلت، ولا تعرفون الظروف التى مررت بها، فتوقفوا عن الحكم على، وانشغلوا بأنفسكم»، وتورد أيضا اقتباسا من رسالة الفيلسوف «ابن سينا»: «العشق لا يختص بالإنسان، بل يسرى على كل الموجودات من نبات وحيوان والفلكيات والمعدنيات، وهو كالحسن لا يدرك»، وللكاتب الإيطالى «إيتالو كالفينو»: «المدن كالأحلام، وما يبهرك فى مدينة ما، ليس روائعها السبع أو السبع والسبعين، بل الجواب الذى تعطيه عن أحد أسئلتك».
تبدو «دلندا الحسن»، فى روايتها الأولى وكأنها ترغب أن تزرع زهرة «الأوركيدا» فى كل مكان حولها، فهى لاعب رئيسى فى حياة معظم شخوص الرواية بدءًا من الجدة التى حرصت الكاتبة على تثبيت لهجتها دون سائر الشخصيات فى إشارة إلى أنها تمثل الجذور، وأنها منبع الحياة والحب، فهى التى علّمت بطلة الرواية «شيرين» كيفية زراعة «الأوركيدا» والعناية بها وحبها.
وتسافر «شيرين» إلى الصين للبحث عن أسطورة الزهرة، وتتمحور علاقاتها وحياتها حول «الأوركيدا»، ومن خلال تلك العلاقات تكشف الكاتبة فلسفتها فى الحياة، تلك الفلسفة التى انعكست فى الرواية على شكل مقولات مستلّة لمفكرين وفنانين وكتّاب معروفين، وأحيانا كانت تلك المقتبسات الافتتاحية تمثّل مفاتيح لفصول الرواية.
اتسم أسلوب الكاتبة باستخدامها لغة شعرية رقيقة، متناسبة مع موضوع الرواية، الذى يصور قصة حب رومانسية مرتبطة بأسطورة زهرة «الأوركيدا»: تخلخلتْ جملته الأخيرة على حبال صوت عاطفته المرتجّة فبدت مشوشة بأنفاسه، بعد أن أغلقت الهاتف أدركت أن الوقت تجاوز منتصف الليل، هل أهملتُ الأوركيدا فذبلتْ زهراتها؟!».
لجأت الكاتبة إلى وضع عناوين فرعية لكل فصل، كل عنوان له دلالته الخاصة، ومن الواضح اطلاعها الواسع على الأساطير فى ثقافات الشعوب، والإفادة منها فى نسج روايتها، كما انعكست قراءاتها فى الأدب والفلسفة فى ثنايات الرواية.
يظهر الرابط بين زهرة الأوركيدا وبطلة الرواية، فهو يَظهر من خلال الحوار التالى بين بطلة الرواية وصديقتها: «بحماسة أعيد حديثى عن الأوركيدا على مسمع رهف المنصتة، وتفسـير صديقتى الصـينية «لي»، لحُلمى بأنه الحاجة للبحث عن الحب والرومانسـية، فجأة قطع تميم الواقف عند الباب كلامى قائلًا: شـيرين، بحسب ما قرأته عن المعتقدات الصـينية، معنى الحلم بالأوركيدا هو الحاجة للحفاظ على الحب والرومانسـية، وليس البحث عنهم، لكن، يبدو أنك لم تدركى الحقيقة، لانشغال ذهنك بأشياء أخرى، هل أنت متأكد؟، أكيد، أثرتِ فضولى بزهرتك، فبحثتُ عنها. على كل حال الأوركيدا تشبهك كثيرًا أو».
تحتفى الرواية بالمكان بكل تفاصيله، هنا نرى جبل اللويبدة فى عمّان نابضًا بالحياة، يتحرك مع الشخوص، لا مجردَ مسرح تتحرك عليه الشخوص، وعندما تردد بطلة الرواية عبارة: «أريد مديني.. أريد جبل اللويبدة»، تشعر معها أنها مشتاقة للقاء الحبيب. ثم تقدم لنا هذه اللوحة عن لقائها معه:
«حقائب وتفتيش. بحثتُ مع غادة عن بوابة الخروج، وانطلقت سـيارة أجرة بنا بسـرعة».
سلامٌ عليك يا جبل اللويبدة
سلامٌ عليكِ أيتها الأغصان العارية فى وجه الشتاء القارس
سلامٌ عليك أيتها الذكريات الحزينة
ما أعبق النسـيم البارد!
وما أنقى الضـياء!
وما أجمل الشمس باختبائها خلف الغيوم الحبلى بالثلج!
طرتُ نحو منزل (تاتا) فى شارع ابن حزم الأندلسـي.
قَرِّب المسافاتِ أيها الكون!
المسافةُ خطٌّ وهميّ بين نقطتين.
لكننى مع (تاتا) عند النقطة نفسها فى وجداني.
فى طريقى أُلملم الشوقَ زهرًا نضـرًا من أمام البيوت، أسماء الشوارع، زقزقة العصافير، نشـيد الأشجار، شجن النسمات، وأبواق السـيارات.
وأنثره داخلَ فؤادي.
أشدُّ المعطف أتّقى أنفاس البر