الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يحيا العدل .. أم يحيا القانون  «1-3»

يحيا العدل .. أم يحيا القانون «1-3»

«يحيا العدل».. عبارة يرددها كل من يحصل على البراءة فى المحاكم، أويظفر بحقه الذى عانى طويلا للحصول عليه فى صراع مع فريق آخر.. وكان كلا الفريقين يعتقد أنه صاحب الحق.. فحينما يُنطق بالحكم.. يراه البعض عدلا.. فى حين أن الفريق الآخر يشكوالظلم مما كان يعتقد – هوكذلك - أنه عدل . ولعل تلك العبارة أثارت بداخلى شجونا قانونية وقضائية واجتماعية كذلك .. الأمر الذى يدعونى أن أخصص مقالات ثلاثة لمحاولة طرح المفاهيم الأساسية لمصطلح  «العدل».. وكيف يمكن الوصول إلى هذا العدل.. ومدى ارتباط هذا المصطلح بمصطلح «القانون» الذى يتقيد به القاضى، ويطبقه.. ولماذا أطلقت عبارة أن «العدالة معصوبة العينين»، وصولًا إلى تكوين قناعات يقينية حول هذين المصطلحين «العدل».. و«القانون».  البداية من هؤلاء السَّفْسَطائيين الذين كانوا من أوائل من عالجوا إشكالية  العدل؛ وقد كانت قناعاتهم الفلسفية تقوم على اعتبارات ترتبط بالشك المذهبى، فكانوا يعتبرون الفرد مقياس كل شىء، وعلى هذا الأساس اعتقد السَّفسطائيون أن العدالة غير موجودة أوعلى الأرجح، أنها مفهوم غامض وقيمة لا يؤمن بها إلاّ الضعفاء . وقد أتت الفكرة الأفلاطونية لتدحض الفكر السَّفسطائى، فقررت أن قيمة العدل  هى التى توجه قوى النفس باعتبارها فضيلة الفضائل.. أما (أرسطو) فإنه يختلف مع أفلاطون فى تمثّله للعدالة، حيث يرى أرسطو أن العدالة تتمثّل نظرياً فى الوسط الذهبى (لا إفراط ولا تفريط) الذى يستطيع وحده أن يضمن الفضيلة، كما ربط الفيلسوف الإنجليزى (ديفيد هيوم) العدل بالرفاهية التى يجب تحقيقها للفرد بوصفه مستهلكاً مما سيؤدى إلى احترام القوانين والالتزام بها.. ويعتقد (مونتسكيو) أنه لا يمكن ضمان العدالة الفردية إلاّ بفصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية . وإذا تجاوزنا هذا الطرح الفلسفى فإننا نصادف الفيلسوف الألمانى (كانتْ) يحاول أن يؤطِّر العدالة فى إطار معيارى أخلاقى لأن العدل – فى تقديره – قيمة أخلاقية ترتبط بثلاثة معايير أخلاقية هى ؛ الحرية، الكرامة والواجب.  وقد جمعت الأديان السماوية بين كل هذه القيم العليا للعدل، فقد تواترت الآيات القرآنية الكريمة  فى وجوب الحكم بالعدل وتحريم الظلم، ومن ذلك قوله تعالى : (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون )) وقال تعالى : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هوأقرب للتقوى )). وفى الحديث القدسى : ( قال الله تعالى يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ).. وقد طبّق المسلمون «العدل» فى أعلى صوره، بدءاً بالرسول الأكرم « صلى الله عليه وسلم»  الذى حكى عنه القرآن قوله: ((إنما أنا بشر مثلكم)) فقد وضع نفسه فى مصاف مرتبة البشر، ولم يحمله شرفه العظيم للامتياز عن الناس تبريراً لأخذ حقوقهم من غير وجه حق، بل كان نموذجاً رائعاً فى إقامة العدل، حتى على نفسه الكريمة رغم كونه نبى الله ورسوله. وفى المسيحية .. ورد العدل فى صلب تعاليم العهد القديم، يقول أرمياء النبى «ويل لمن يبنى بيته بغير عدل، وعلياءه بغير حق، ويستخدم قريبه بلا أجرة ولا يوفيه ثمن عمله» (ارميا 13:22). وورد كذلك فى الإنجيل، يعلن يسوع أن الناس متساوون «ليس هناك عبد ولا سيد، رجل ولا امرأة، بل الكل واحد فى المسيح», كذلك جاءت تعاليم آباء الكنيسة تحض على العدل وتوزيع الثروة واحترام الحق فى الحياة.. يقول القديس باسيليوس: «من يأخذ ثياب إنسان يدعى سالبا، والخبز الذى تحتفظ به هوملك للجائع، وللرجل العريان هوالرداء الذى تخفيه خزائنك، ولحافى القدمين هوالحذاء الذى يبلى عندك وللبائس والفقير هوالمال الذى تحويه خزانتك». وهذا القديس يعقوب يقول فى رسالته فى الفصل 5/،4 «ها ان أجرة العملة الذين حصدوا حقولكم تلك التى بخسّتموهم إياها، تصرخ وصراخ هؤلاء الحصادين قد بلغ أذنيّ رب الجنود». وللحديث بقية وبالقانون تحيا مصر.