الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يحيا العدل.. أم يحيا القانون (2 - 3)

يحيا العدل.. أم يحيا القانون (2 - 3)

كنت قد بدأت الأسبوع الماضى أولى المقالات الثلاث «يحيا العدل.. أم يحيا القانون».. مبتدرًا إياها بتطور مفاهيم مصطلح العدالة، وفلسفاتها الفكرية وفق مناظير الفلاسفة والأديان السماوية، وأخصص هذا المقال لطرح مفهوم الشطر الآخر من العنوان وهو «القانون» بوجه عام وما يتفرع عنه ويرتبط به من مفاهيم لازمة له. ويثور فى هذا الشأن تساؤل مهم مؤداه: ما هى الحاجة إلى القانون أو إلى القوانين بشكل عام؟  والجواب عن ذلك هو أن الإنسان بفطرته يختلط بغيره من بنى جنسه، وينتج عن هذا الاختلاط علائق متعددة اجتماعية وثقافية وسياسية وغيرها وهذه العلاقات لا يمكن أن تقوم بحال إلا وفق ضوابط تحكمها، حتى لا يختل توازن هذه الجماعة، وهذه الضوابط هى النظم والقوانين، فبدون القانون تصبح الأمور فوضى تسير وفق الأهواء والرغبات الفردية، وحالة عدم وجود القانون حالة لا يمكن أن يتصور دوامها لأن مجرى السنة الكونية يحتم وجود قانون، ولو افترض وجود حالة الفوضى فلا بد أن يكون الحكم للقوة، فيتحكم الأقوياء بالضعفاء، وفق ما يريدون ويشتهون، فيكون هناك قانون القوة أو الغابة، بغض النظر عن كون هذا القانون سليمًا وموافقًا للقيم النبيلة والمبادئ السليمة، ومن هنا يتبين أن القانون ضرورة اجتماعية لا بد منها ليحكم نشاط الأفراد وينظم علاقاتهم، ويقيم (العدل) بينهم. والقانون كلمة يونانية الأصل تلفظ كما هى kanun وتعنى مجازًا القاعدة والقدوة والمبدأ، وانتقلت من اليونانية إلى اللغات الأخرى المستقيمة، وانتقلت إلى الفارسية بنفس اللفظ بمعنى أصل كل شىء وقياسه، ثم عربت عن الفارسية بمعنى الأصل، ودرج استخدامها بمعنى أصل الشىء الذى يسير عليه، أو المنهج الذى يسير بحسبه، أو النظام الذى على أساسه تنتظم مفردات الشىء، وتكون متكررة على وتيرة واحدة بحيث تصبح خاضعة لنظام ثابت، فيقال فى معرض الأبحاث الطبيعية قانون الجاذبية، ويقال فى معرض الأبحاث الاقتصادية قانون العرض والطلب وهكذا. أما فى الاصطلاح فإن القانون له ثلاثة تعريفات: تعريف اصطلاحى عام.. وهو القواعد العامة الملزمة التى تنظم سلوك الأفراد فى المجتمع تنظيمًا ملزمًا، ومن يخالفها يعاقب، وذلك كفالة لاحترامه. وتعريف اصطلاحى باعتبار المكان: وهو مجموعة القواعد العامة الملزمة المنظمة لسلوك الأفراد النافذة فى بلد ما، فيقال القانون الفرنسى والقانون المصرى مثلاً، وأخيرًا تعريف اصطلاحى باعتبار الموضوع: وهو مجموعة القواعد العامة الملزمة المنظمة لأمر معين وضعت عن طريق السلطة التشريعية فيقال: قانون الملكية الفكرية، وقانون المحاماة، وقانون الجامعات، وقانون المرور. وتسعى القاعدة القانونية ــ وفق التعريفات السابقة ــ إلى تقرير الحق، وتحقيق (العدل) سعيًا وراء حسم ما قد ينشأ من خلاف بن الأفراد نتيجة تعايشهم المشترك الذى تقتضيه طبيعة الحياة، فالإنسان منذ ولادته تنشأ له حقوق يقابلها فى الوقت ذاته التزامات عليه وتمثل بنفس القدر حقوقًا للآخرين، ويحتاج كل منا إلى تنظيم حقوق وواجبات كل شخص فى المجتمع وهذا ما تعنى به بالدرجة الأولى الحاجة إلى القانون. ومن خلال تعرف القانون بأنه مجموعة القواعد العامة الملزمة المنظمة لسلوك الأفراد فى المجتمع نستطيع أن نستخلص خصائصه والتى يمكن حصرها فى ثلاث خصائص هى العمومية والتجريد والتنظيم لسلوك الأفراد فى المجتمع وأخيرًا الإلزام. ويفترق القانون ــ وفق تلك التعريفات السابقة ــ عن قواعد الأخلاق مثلاً ــ والتى يقصد بها مجموعة المبادئ المتحصلة من المثل العليا للمجتمع ومجموع أفكاره عن الخير والشر التى تحض أفراده علي سلوك معين فى مواجهة نفسه أو غيره ذلك أن تلك القواعد تهدف إلى تحقيق المثل العليا السامية فى الشكل والمضمون فى حين أن قواعد القانون غايته نفعية، وفى حين ترد القاعدة القانونية على سلوك اجتماعى معين فتحظره أو تلزم باتباعه متخذة من النشاط الخارجى للأفراد معيارًا للمحاسبة  تتعلق القاعدة الأخلاقية بسلوكيات اجتماعية أو شخصية وتجعل النوايا أساسًا للحساب ثوابًا أو عقابًا، كما أن الجزاء يتخذ فى القاعدة القانونية شكلاً ماديًا محسوسًا فى حين أن جزاء القاعدة الأخلاقية جزاء معنوي داخلي يتمثل فى الشعور بتأنيب الضمير أو النبذ المجتمعى. ولكن هل بالقانون.. يتحقق العدل؟ وللحديث بقية