الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يحيا العدل .. أم يحيا القانون  «3-3»

يحيا العدل .. أم يحيا القانون «3-3»

سعدتُ كثيرًا بتعليقات وتعقيبات القراء الأعزاء على المقالين السابقين لثلاثية « يحيا العدل .. أم يحيا القانون « وترقبهم لهذا المقال الذى أجيب فيه على السؤال الجوهرى المطروح فى المقال الثانى: «لكن هل بالقانون.. يتحقق العدل؟.. والإجابة – فى اعتقادى – بالنفى الحاسم، فلا يتحقق العدل بالقانون .. بل يتحقق «بالقاضى».. لأن القاضى هومن يطبق هذا القانون .. وصولاً (للعدل) المنشود ممن لاذ به، واستعصم ( بالقانون) أمام ساحات القضاء سبيلاً للإنصاف والحق. ويتبوأ القضاء منزلة كبيرة ومكانًا علياً  فى الدولة نظرا لما يقوم به من رسالة من شأنها بث الأمن ومحاربة الفوضى فى المجتمع. إلا أن القضاء لا يمكنه أن يحقق المكانة الجديرة به إن لم يحظ بثقة المواطنين عامة وبثقة المتقاضين خاصة. وأن ثقة هؤلاء وأولئك لن تتحقق إلا من خلال برهنة القضاة أنفسهم على تجردهم ونزاهتهم واستقامتهم واستقلالهم عن أى تدخل أوتأثير. قال رئيس فرنسا السابق فانسان أورويل عند نهاية رئاسته سنة 1955: «يوم يفقد المواطنون ثقتهم فى العدالة تتعرض الدولة كما يتعرض نظام الحكم لأشد الأخطار، ولا خوف على أمة بها قضاء كفؤ ونزيه ومستقل» . وقد قيل لتشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمى السابق بأن الفساد ظهر فى أجهزة الحكومة والإدارة. فسأل: وكيف القضاء؟، فقالوا: «القضاء البريطانى ممتاز جدا»، فقال: «لا خوف على بريطانيا». والواقع أن للقضاء فى مصر مكانة عظمى لا يمكن النيل منها أوالتشكيك فى وجودها فقد تمتع القضاء فى مصر منذ نهاية القرن التاسع عشر بهيبة واحترام وتوقير لدى الرأى العام المصرى بكل طوائفه حتى قبل أن توجد قوانين منظمة للسلطة القضائية‏.‏ فقد نشأ القضاء الحديث فى مصر عقب الاحتلال البريطانى مباشرة عام‏1882‏ وقبل الاحتلال كانت المحاكم الشرعية هى محاكم القانون العام أوهى صاحبة الولاية العامة وكانت تحكم بمقتضى مجلة الأحكام العدلية الصادرة فى ظل الدولة العثمانية‏..‏ وظل الحال على هذا النحوإلى أن صدر دستور‏1923‏ ونص صراحة على استقلال القضاء وعلى أنه لا يجوز لأى سلطة التدخل فى عمل القضاة‏..‏ وفى عام‏1943‏ صدر أول قانون لاستقلال القضاء‏،‏ وحرصت المذكرة الإيضاحية له على التأكيد بأن النصوص لم تنشئ حقيقة استقلال القضاء‏،‏ فمن طبيعة القضاء أن يكون مستقلا‏،‏ والأصل فيه أن يكون كذلك‏،‏ وكل مساس بهذا الأصل من شأنه أن يعبث بجلال القضاء‏،‏ وكل تدخل فى عمل القضاء من أى سلطة من السلطتين‏،‏ يخل بميزان العدل‏،‏ ويقوض دعائم الحكم‏،‏ كما أفصحت المذكرة الإيضاحية عن أن ما جاء به من ضمانات تشريعية لاستقلال القضاء هومجرد خطوة على طريق هذا الاستقلال سوف تتبعها خطوات‏..‏وتوالت من بعد تشريعات السلطة القضائية عقب قيام ثورة‏1952،‏ حتى صدر دستور عام‏1971‏ مؤكدا أن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات‏،‏ وأن السلطة القضائية مستقلة‏،‏ وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها‏،‏ وتصدر أحكامها وفق القانون‏،‏ كما ينص الدستور على أن القضاة مستقلون‏،‏ لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون‏،‏ ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا أوفى شئون العدالة‏،‏ ثم صدر قانون السلطة القضائية عام‏1972‏ وما لحقه من تعديلات عام‏1984، وقد صدر دستور 2014 فى أعقاب ثورة 30 يونيو2013 المجيدة، ليؤكد ويدعم ويفند الجهات والهيئات القضائية، ويعدد ويدعم كافة الحقوق والحريات التى تكفل للمواطن الحياة الكريمة الآمنة. وتتويجًا لكل من سبق، تبدوالإجابة واضحة جلية على ما طرحتُه فى المقال الأول لعبارة أن «العدالة معصوبة العينين»، نعم، فالقاضى الذى تتحقق العدالة من خلاله لا يرى أى من الخصوم .. بل يرى العدل والحق .. ويطبق القانون الذى يساعده على استيداء الناس لحقوقهم المسلوبة أو الاعتداء على حرماتهم وحرياتهم المصانة، وتتكامل مع تلك الحقائق عبارة أن « الرحمة فوق العدل « فالمخاطب هنا هو(القاضى الإنسان)، وليس (القانون النص)، ولا (العدل الرمز)، فالقاضى هوالمرآة التى تعكس وجه الدولة وقوتها وهيبتها أوضعفها واستكانتها. وبالقانون تحيا مصر.