الجمعة 2 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
21 كلمة

21 كلمة

فى النسخة الأصلية من كتاب «دع القلق وابدأ الحياة»  للكاتب ديل كارنيجى يتحدث عن جملة من 21 كلمة وكيف أن تلك الجملة كانت فارقة فى حياة طالب الطب الإنجليزى الذى أصبح فيما بعد السير وليام أوسلر الطبيب ومدرس الطب الشهير فى جامعة أوكسفورد. وليام كان قلقا بخصوص الامتحانات وقلقا بخصوص المستقبل... ماذا سيحدث فيه وإلى أين سيذهب وكيف يمكن له أن يبنى نفسه واسمه فى مهنة الطب أى أنه كان قلقا حيال أسلوب العيش فى المستقبل بصورة عامة. الجملة باختصار هى «مهمتنا الرئيسية ليس أن نرى ما هو غير واضح لبعده عنا ولكن مهمتنا أن نرى ما هو واضح فى أيدينا الآن». عندما استوعب وليام تلك الجملة ونظر فوجد أن ما فى يده الآن هى كتب الطب وأن ما عليه أن يفعله الآن أيضا هو المذاكرة وفقط...هذا التركيز فى اللحظة الحالية أغلق عليه باب القلق مما قد يحدث فى المستقبل وأغلق عليه أيضا باب الحزن والإحساس بالأسى لما حدث فى الماضى. بعد ذلك بسنوات كثيرة وتحديدا عام 1997 صدر كتاب بعنوان «قوة الآن» The power Of Now يتحدث عن نفس الفكرة ولكن باستفاضة وبوضع لعدد من الآليات لتنفيذها وتحقيقها....أن نعيش اللحظة ببساطة فلا أن ننشغل أو نخاف من المستقبل ولا نحزن على الماضى...إغلاق تام لأبواب الماضى وأبواب المستقبل والتركيز الفعال فى اللحظة الحالية لأنها ببساطة هى ما نملك فعليا فالماضى لا يمكن أن يعود والمستقبل لم يأت بعد. والسؤال هل ساعدتنا التقنيات الحديثة والإغراق فى شبكات التواصل الاجتماعى على أن نعيش «الآن» بصورة فعالة؟ لا أدعى إجابة نهائية ولكن بتحليل بسيط لما يحدث نجد أن تلك الشبكات تدمج الماضى والحاضر والمستقبل وتقدمهم جميعا فى لحظة واحدة....الأسوأ أنها تقدم تجارب البشر عن الماضى المؤلم وأيضا توقعاتهم –السوداوية غالبا- عن المستقبل...أما الحاضر فحدث ولا حرج...سيل كبير جدا من الأخبار والأحداث أصابت الناس بمرض الخوف من الفقد Fear Of Missing Out (FOMO) ... أى استمرار البقاء متصلا خشية أن يفوتك خبر أو تعليق أو عبارة أو كلمة أو موقف يمر به أحد من الأصدقاء أو الشخصيات العامة ...الخوف من الجهل أو الوصم بالجهل وعدم المتابعة فتجد أشد ما يخشاه كائن التواصل الاجتماعى الجديد أن يجد نفسه لا يعرف آخر الأخبار فى كل المجالات  وآخر التعليقات عليها أيضا...كل ذلك بدون النظر إلى مدى أهمية كل تلك المعلومات للشخص المتصفح لها....المفاجأة الكبرى أن هذا يمنع من الفعل تماما فلم يعطنا هذا العلم أى دافع من أجل الفعل...بالعكس أدى هذا إلى المزيد من الإغراق فى بحور التواصل الاجتماعى ...وكلما أبحرت تولدت لديك الرغبة فى المزيد من الإبحار...بين أطياف الماضى وتفاهات الحاضر وأوهام المستقبل. تغريدة: ماء البحر المالح لا يزيد الشارب إلا عطشا.